عوني الداوود
اعتدنا أن تحمل المؤتمرات عنوان المكان الذي تعقد فيه، أمّا “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” فهو مختلف من حيث ما يحمله من أهداف ومعان لا يقيّدها المكان ولا الزمان، فالمؤتمر في الاساس الذي عقد للمرة الاولى في بغداد بهدف دعم امن واستقرار العراق واحترام سيادته، ومواصلة مسيرته نحو التنمية والازدهار.. تواصل أمس في البحر الميت في الاردن .. وسيعقد العام المقبل في مصر الشقيقة.
انعقاد مؤتمر بغداد في الاردن يوم امس يعكس المكانة الخاصة للعراق الشقيق بالنسبة للاردن ملكا وشعبا.. ثم مصر العام المقبل تأكيد متواصل على مكانة العراق لدى العرب ولدى الاقليم، وان العمل التكاملي المشترك بين الاردن والعراق ومصر ثابت وراسخ، وبات يمثل أنموذجلا “للتكامل الاقتصادي “العربي والاقليمي الذي تطور الى “تكامل صناعي” بين الدول الثلاث ودولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة، والى تكامل اوسع مع مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية… وها هو مؤتمر بغداد بات يشكل مظلة اقليمية عالمية مهمة تجمعها “بغداد العراق”، وتفاصيلها كل دول الجوار والاقليم والعالم بمشاركة فرنسا والاتحاد الاوروبي ومنظمات دولية.
واذا كان المؤتمرالاول الذي عقد في 28 اغسطس / آب الماضي 2021 قد اسس لهذا التجمع الهام، فان المؤتمر الثاني الذي عقد بالامس 20 كانون الاول / ديسمبر 2022 في البحر الميت قد دفع “منظومة المؤتمر” خطوات مهمة الى الامام نحو وضع ” أطر ” للتعاون الاقليمي المشترك، وصولا في المؤتمرات القادمة الى مشاريع تترجم التعاون الاقليمي خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية، يمكن من خلالها معالجة قضايا الفقر والبطالة.. لان مواجهة التحديات المشتركة تستدعي عملا جماعيا ” تلمس شعوب المنطقة آثاره الايجابية ” – كما قال جلالة الملك عبد الله الثاني يوم امس في كلمته التي افتتح بها اعمال المؤتمر.
على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة يوم امس عقدت اجتماعات ثنائية وثلاثية وخماسية ومنها اجتماع ثلاثي بين جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حيث تم التاكيد على “ضرورة البناء على ما تم إنجازه واستكمال المشروعات المشتركة وتسريع تنفيذها وتذليل العقبات أمامها، بما يحقق مصالح الدول الثلاث وطموحات شعوبها”.
المباحثات الثلاثية تمّ التأكيد خلالها على ” أهمية استدامة آليات متابعة تنفيذ المشاريع على مستوى الوزراء والمسؤولين في الدول الثلاث، خصوصا في مجالات الربط الكهربائي والطاقة والأمن الغذائي، بما يحقق التكامل على المستوى الإقليمي.”.. وهذا يرتبط بما اشار اليه جلالة الملك عبد الله الثاني في كلمته الافتتاحية من ضرورة الاسراع بتنفيذ مشاريع يكون لها “أثر ملموس لدى شعوب الدول الثلاثة”.
أهمية مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي نجح بدبلوماسية جلالة الملك عبد الله الثاني من جمع هذا العدد من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية، واصرار من العراق الشقيق والتعاون الفرنسي ممثلا بالرئيس ايمانويل ماكرون..كلها عوامل يمكن البناء عليها.. فالارادة موجودة، والمشاريع المشتركة مطروحة، والتمويل متوفر من دول المنطقة ودول عالمية – في مقدمتها فرنسا – كما اعلن رئيسها يوم امس.. وكما اعلن الرئيس الصيني في “قمة الرياض” مؤخرا، وقبلهما الرئيس الامريكي في “قمة جدة” 2021. ودول الخليج وحدها قادرة على تمويل كافة المشاريع.. بمعنى آخر ان جميع امكانيات النهوض بالمنطقة اقتصاديا حاضرة، خصوصا في ظل ما تملكه من قدرات مؤثرة في اهم ملفّين عالميين حاليا فرضتهما بقوة الحرب في اوكرانيا وهما ” الطاقة والغذاء “، ومنطقة الخليج اضافة الى ايران ( المشاركين في مؤتمر بغداد ) تملك من اوراق القوة ( اوبك، واوبك+ ) اضافة لوجود ثلاث دول من مجموعة العشرين ( فرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا) اضافة للاتحاد الاوروبي.. كل ذلك يجعل من دول ( مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة ) قوة اقتصادية مهمة شريطة ان يسير كل ذلك بالتوازي مع “حلحلة” التحديات السياسية والامنية التي تواجه المنطقة.