قبل الذهاب للمسجد.. إليكم خطبة الجمعة

عنوان خطبة الجمعة الموحد

  التعرض لنفحات الله تعالى في ليلة النصف من شعبان

أخبار حياة- لقد فضل الله تعالى بعض الاوقات والازمنة على غيرها، وذلك بمضاعفة الاجور والاعمال فيها، فمن هذه الاوقات ، الشهور والليالي؛ فخص الله تعالى من العام الهجري، الاشهر الحرم،  وشهر رمضان المبارك، وشهر شعبان، وخص من هذه الشهور بعض الليالي، كالعشرة الاواخر من رمضان، وليلة القدر، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وليلة النصف من شعبان؛ ففي هذه الاوقات المخصوصة يتعرض فيها العباد الى نفحات إيمانية،  قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها» رواه الطبراني، وهذا يتطلب المسارعة الى التعرض الى هذه النفحات الطيبة المباركة؛ لننال مغفرة الله تعالى والفوز بجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للمتقين، قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران: 133، وقال تعالى : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ المائدة:48.

إن المسلم اليوم مدعو إلى اغتنام هذه الاوقات المخصوصة بالقربات والطاعات، لنيل فضلها ومضاعفة الاجور فيها، فمن توفيق الله للعبد ان يسوقه الله لعبادته وطاعته، قال صلى الله عليه وسلم: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» صحيح، فيتوجب على كل مسلم ومسلمة أن يغتنموا هذه الخمس، وأن يعتبروا بهذه الوصية من سيد الخلق قبل أن تذهب هذه الخمس، وقبل أن يأتي يوم يتمنَّى فيه الإنسان أن يعود الى الحياة الدنيا ليقدم من خير وبرٍّ وصدقة وتطوع فلا يستطيع، قال تعالى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ المؤمنون:99، ولكن هيهات وقد فات الاوان فيأتيه الجواب: ﴿كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ المؤمنون:100 

ولذا نجد ان جمهور الفقهاء من أئمة المذاهب الاربعة، قد ذهبوا الى ندب إحياء ليلة النصف بالدعاء والصلاة والتوجه الى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، قال الإمام الشافعي رحمه الله “بلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يُستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان… وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضاً”، وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:  فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.

فقم ليلة النصف الشريف مصليا                فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه

فكم من فتى قد بات في النصف آمنا           وقد نسخت فيه صحيفة حتفه

فبادر بفعل الخير قبل انقضائه                  وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه

وصم يومها لله وأحسن رجاءه                 لتظفر عند الكرب منه بلطفه

وقال ابن حجر الهيتمي رحمه تعالى:” وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة واحياؤها بالعبادة مستحب”، فلنحرص على اغتنام هذه الفضائل العظيمة، لتكون في موازين حسناتنا يوم القيامة.

  كما ويجب على المسلم اجتناب المعاصي والذنوب التي تبعد العبد عن خالقه ومولاه، خاصة في ليلة النصف من شعبان، جاء عن ابن رجب : أنه يتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة وقبول الدعاء في تلك الليلة، وقد روي: أنها: الشرك وقتل النفس والزنا وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال، سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال “أن تجعل لله ندا وهو خلقك”  قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ” قلت: ثم أي؟ قال ” ثم أن تزاني حليلة جارك”  متفق عليه، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُون﴾الفرقان: ٦٨.

 إن من خصائص ليلة النصف من شعبان أن الله تعالى يطلع فيها على عباده، فيغفر لهم جميعاً إلا مشاحن أو مشرك أو قاطع رحم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ النساء:48، وروى ابن ماجه بسنده أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو منافق» رواه ابن ماجه.

إن ما نراه اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، من الطعن والمغالطات والتشكيك واغتيال الشخصية، والتقليل من جهد الناس وانجازاتهم، ليدعونا اليوم الى إعادة النظر في مثل هذه الممارسات الخاطئة، والتي تنم عن الحقد والحسد، وأن نغتنم هذه الاوقات العظيمة، في الندم والاستغفار والتوبة الصادقة، قال الله تعالى:﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ التوبة:8، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام »  متفق عليه، فلا يجوز أن يترك المؤمن السلام والكلام مع أخيه إذا تلاقيا، ويعرض كل واحد منهما عن صاحبه،  والفضيلة لمن يبدأ صاحبه بالسلام، ويزيل ما بينهما من التهاجر والتقاطع، فالسلام يُذهب ما في النفوس من ضغينة، وهو علامة على المحبة والمودة بين الناس

إن ليلة النصف من شعبان فرصة أن يصلح العبد ما بينه وبين عباد الله ، لتسود الاخوة والمحبة والالفة والمودة والتآزر بين أبناء المجتمع، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌالحجرات:10، فمن مقتضيات الاخوة التسامح والعفو وأن يتجاوز الانسان  عن الزلات والعثرات ،  وأن يُخرج الضغينة والحقد من قلبه،  قال الله تعالى:  ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ الحشر: ١٠، ويقول عليه الصلاة والسلام : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تحاسَدُوا ، ولا تناجَشُوا ، ولا تباغَضُوا ولا تدابَرُوا ، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا ، المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ» رواه البخاري، ونذكر من كان معتاداً للصوم الاثنين والخميس مثلاً أو كان عليه قضاء أو نذر أو كفارة فليصم ذلك، ولو كان بعد النصف من شعبان، وعلينا  بكثرة الاستغفار، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والإلحاح في الدعاء، سائلين الله عز وجل أن يمدنا بالغيث من عنده ، وأن يغيث قلوبنا وبلادنا وبلاد المسلمين، وأن يسقينا غيثًا مغيثًا، هنيئًا، طبقًا، مجللاً، نافعًا، غير ضارٍّ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102. 

   ولا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، ” أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.

سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

والحمد لله ربّ العالمين

 

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات