سامح المحاريق
نهدر في الأردن، وحسب أرقام برنامج الأمم المتحدة للبيئة لسنة 2019، نحو مليون طن من الأغذية، وهذه نسبة هائلة، ويجب مراجعتها في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي يتوقع أن يبقى متواصلاً لسنوات عدة، والواضح أن المنازل في المنطقة العربية هي التي تقوم بجانب كبير من المجزرة المتعلقة بالأغذية التي تجد طريقها إلى مكب النفايات بما يتجاوز 60% من الهدر.
الأمر يثير الاستغراب، ففي حالة منزلية خاصة، يمكن أن يتفق معها البعض، ويختلف الآخرون، كانت تكلفة تقديم وجبات معينة تزيد عن سعرها في المطاعم، أو محلات التواصي، والأمر اقتصادياً يمكن فهمه من خلال اقتصاديات الحجم، والجانب الآخر، يمكن فهمه بطبيعة الحال من خلال الممارسات الاجتماعية القائمة، والتي تقضي قولاً واحداً، أنه من الأفضل أن يفيض الطعام على أن ينقص، والأمر تزداد أهميته وحساسيته في حالة الدعوات الأسرية والاجتماعية.
الإنتاج النهم للفوائض الغذائية التي تتحول إلى مخلفات لا تعرفه دول أخرى بنفس المعدلات، ففي بلد مثل روسيا يقارب عدد سكانه 150 مليون، أتت نسبة هدر الطعام بنحو 4 ملايين طن، مع أنها يفترض أن تصل إلى 15 مليون بنفس المعدل السائد في الأردن، وهو الأمر الذي ذكرني بأحد الأصدقاء وملاحظته لتواضع الحصص الغذائية التي تقدم في المطاعم الروسية أثناء زيارته إلى هناك مقارنة بالأردن وغيره من البلدان العربية، ولا يبدو أن الأمر ينعكس على صحة الروس الذين يتمتعون بمواصفات جسمانية جيدة بما يعني أنهم يحصلون على غذاء كافٍ من الناحية ?لكمية والنوعية، وبما يدلل على أن الإفراط يحدث في جانبنا ليست له علاقة بالحاجات الغذائية الفعلية، فبجانب ما نلقيه في حاويات المخلفات، توجد فوائض تتحول إلى سمنة وترهلات جسدية تولد هي الأخرى تكلفة زائدة في الرعاية الصحية المباشرة وغير المباشرة.
المدارس التي أخذت تتحرر من أدوارها تجاه التنشئة، مسؤولة في جانب كبير عن تثقيف الأجيال الجديدة بهذه الظاهرة، بجانب أمور أخرى مثل الديمقراطية والانتخابات والمعاملات المالية والقانونية، بمعنى الثقافة التي يحتاجها الفرد للانخراط في الحياة العملية، وذلك بدلاً من إعداد الطلبة لدراسة الطب والهندسة في الفرع العلمي، والعلوم السياسية والاجتماعية في القسم الأدبي، فهذه هي المسؤولية التعليمية، وتبقى مسألة التربية التي تستهدف تغيير السلوك الاجتماعي الذي تغذيه الثقافة المنزلية التي هي جزء من المشكلة، فالمدرسة هي التي تقو? هذه النوعية من التحولات الاجتماعية، وتتحدى بنية التقاليد التي تحتاج إلى مراجعة، حيث لا توجد حصانة لتقاليد تعارض المنطق وتمضي في غير اتجاه الإدارة الحصيفة للمجتمع والمستقبل، وإلا لبقيت تقاليد مثل استثناء الإناث من الإرث قائمة على الرغم من تناقضها مع صريح الدين والعقل.
إعادة هندسة كمية وتكلفة الطعام الذي يستهلكه الأردنيون متطلب أساسي قبل الشكوى من أسعاره التي تذهب في جزء كبير منها لتلبية السلوك التفاخري وتمثل خضوعاً للخجل الاجتماعي حيث تتحدد المكانة في الوفرة والمبالغة، وهذه هي مسؤولية التخطيط الذي يتجاوز التعامل مع الأمر الواقع والنتائج إلى البحث في الجذور العميقة للمشكلات القائمة أمام المخطط الاقتصادي، وآليات الدعم والضريبة وأدوات التوعية والتربية، جميعها متاحة في حالة وجدت الإدارة المحلية وآلية صناعة السياسات ضرورة في العمل على التفاصيل بدلاً من الاستغراق في الشعارات ?لضخمة المرسلة التي لا تتحقق في النهاية، وإن كانت تشبع غريزة التفاخر بالطموحات التي لا تقل هي الأخرى في خطورتها عن أي سلوك تفاخري آخر.