أخبار حياة – تعد تماثيل عين غزال الجبصية أقدم تماثيل صنعها الإنسان تم العثور عليها لحد الآن، حيث يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث (8000 عام قبل الميلاد)، وهي بذلك تكتسب أهمية تاريخية كبيرة باعتبارها دليلاً على استيطان الانسان للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ، ويرى فيها الكثير من التشكيليين بدايةً لانطلاقة الفن التشكيلي المتكئ على خيال الإنسان ورؤاه الجمالية والروحية للعالم المحيط.
أهمية تاريخية خاصة.
لقد كان لاكتشاف هذه التماثيل والتي يبلغ عددها (36) تمثالاً الأثر الكبير في الاهتمام بموقع عين غزال، وإن هذه المجموعة من التماثيل ذات أهمية خاصه، وذلك لأهمية الأفكار والمضامين المرتبطة بها وبصفاتها الشكلية، وطريقة حفظها ونحتها.
عنما عثر على هذه التماثيل كانت متأثرة بالاهتزازات والأوزان الثقيلة التي كانت عملت في الموقع أثناء عملية شق الطريق كما هو معروف، أدى ذلك الى تهشم نواة التماثيل المكونة من سيقان نباتي الحلفا والقصب والتي كانت تشكل الهيكل الداخلي للتماثيل، ونتيجة لذلك تشققت القشرة السطحية الجبسية للتماثيل بشكل كبير جدا.
في الكشف عن محتويات هذه الكتل تبين أنها تحتوي عددا من التماثيل البشرية الجبسية الكاملة والنصفية وقد لحق بها ضرر كبير أدى الى تحطيم الفراغ الداخلي الناشىء عن المواد العضوية النباتية المكونة للهيكل الداخلي للتماثيل، حيث امتلأت التماثيل بالطين الذي يحتوي نسبا عالية من الجبس، الذي كان بالأصل متداخلا مع المحيط غير المنتظم للنواه العضوية النباتية المنشأ، وعندما انضغطت التماثيل الى الأسفل نتيجة الأحمال الثقيله على الأرض فوقها، تناثر الجبس أو اتخذ شكلا جديدا من خلال تشكيل عشرات من شبكات التصدع الناعمة في جسم التماثيل، وعثر في موقع عين غزال على ثلاثة أقنعة جصية تمثل وجوها آدمية تعاصر في تاريخها التماثيل الآدمية في الموقع ذاته. ولغاية الآن لم يعرف وظيفة هذه الأقنعة على وجه التحديد، علما أنها ربما تمثل نسخا لوجوه أشخاص متوفين، ولا يمكن الجزم فيما إذا كانت ذات علاقة بالعقيدة والمعبود في عين غزال.
تماثيل عين غزال تم ترميمها في بريطانيا جميعاً وعرضت على مدى ثلاثة عقود في المتحف الوطني بجبل القلعة ونقل جزء منها ليعرض في متحف الأردن برأس العين في قاعة خاصة مجهزة وفق احدث المقاييس العالمية للحفاظ على الآثار والحؤول دون تلفها او تهالكها، حيث يخصص المتحف قاعات خاصة للآثار التي تحتاج لعناية استثنائية كلفائف البحر الميت أيضا، وضمن الاتفاقيات الثنائية بين دائرة الآثار الأردنية ومتحف اللوفر يعرض الآن في المتحف تمثالان من المجموعة.
إلهام فني
تأثر الكثير من الرسامين والنحاتين الأردنيين في فنهم بتماثيل عين غزال ومنهم الفنان رفيق اللحام، بينما يؤكد صاحب المنحوتات العديدة والمستلهمة من تماثيل عين غزال، الفنان والنحات حازم الزعبي، أن تماثيل عين غزال ذات أهمية تاريخية كبرى وهي تؤرخ للحياة الاجتماعية والمدنية في الشرق منذ مايقارب عشرة آلاف عام بخلاف ما يروج حولها من أنها مرتبطة فقط بعبادة الأوثان، ويقول الزعبي ان هذه التماثيل توثق لبدايات استقرار الانسان وانطلاق خياله نحو التجسيد والابتكار، ونجد فيها ثنائية الذكر والأنثى؛ ما يعكس تطور الفكر الانساني وادراكه لأهمية تلك الثنائية في الحياة البشرية بوصفها مصدرا للخصب والالهام .
.
عين غزال..بدايات الاستيطان البشري في الأردن
التماثيل الأقدم في العالم لم تكن الأثر الوحيد الذي تم العثور عليه في منطقة عين غزال الغني بالمكتشفات الأثرية العائدة للعصور الحجرية من مدافن وبيوت وحلي وغيرها، وعين غزال عبارة عن موقع أثري يقع في الشمال الشرقي من مدينة عمان على الطريق الرئيس الذي يربطها مع مدينة الزرقاء. وتم اكتشافه عام 1974 م. من أهم آثار حقبة ما قبل الفخارية 8500-5500 ق م (العصر الحجري الحديث 8500-4500ق. م.)، وكانت بلدة ومستوطنة زراعية ورعوية اكتشفت أثناء بناء الشارع العام بين الزرقاء وعمان في عام 1972. أثناء عملية شق الطريق، أما الحفريات الرئيسة في الموقع فتم اكتشافها عام 1982 م، وكشفت الحفريات الأثرية عن بقايا قرى زراعية تعود بدايتها إلى النصف الثاني من الألف الثامن قبل الميلاد واستمر السكن فيه حتى منتصف الألف الخامس قبل الميلاد (كفافي 1990 : 134). ويرتفع الموقع عن سطح البحر 720 مترا عن سطح البحر بالإضافة إلى مجاورته لنبع ماء، وموقعة ضمن سلسة جبال، وكذلك امتداده على جانبي نهر الزرقاء السابق، وقد غطي هذا الموقع مساحة (120) دونما وهذا الموقع مساو لموقع البيضا، ووادي شعيب في الأردن، .ويعد من أكبر مواقع العصر الحجري الحديث في الشرق الأدنى القديم. لقد انتشر البناء في قرية عين غزال حول مجرى وادي الزرقاء.
وفي عام 1982 م بدأت الاكتشافات والتنقيبات الإنقاذية برئاسة غاري رولفسون من المركز للأبحاث الشرقية، والأثري الأمريكي ليوناردو من جامعة ميسوري – كولومبيا، وهذه التنقيبات كشفت عن عين غزال الأثرية التي تعود للعصر الحجري الحديث، أي إلى منتصف الألف الثامن قبل الميلاد. وقد شارك في اكتشافات عين غزال كل من دائرة الآثار العامة الأردنية، جامعة اليرموك / معهد الآثار والانثروبولوجيا.