عصام قضماني
ليس فقط تناقض القوانين وتضادها ما يعيق الاصلاح الاداري بل في الكم الهائل من التعليمات والانظمة التي تنسف القوانين وتتناقض معها وتجردها من سيادتها.
هنا يبرز سؤال أيهما أكثر قوة.. القوانين ام الأنظمة أم التعليمات التي يتفنن وزراء في إصدارها تحييد القوانين وتفسيرها في غير غاياتها واحيانا الالتفاف عليها.
خذ مثلا ملف الاستثمار هناك ٥٢ وزارة ومؤسسة قوانينها وتعليماتها وانظمتها تحشر أنفها في الاستثمار، وهناك ٤٤ قانونًا وأكثر من ١٨٨٠ نظامًا متداخلة فيه.
يلفت الانتباه نتيجة مبكرة أن القطاع العام يعاني من تدني مستوى التشبيك والمواءمة ما بين استراتيجيات الجهات الحكومية ذات العلاقة وخططها وبرامجها، وضعف مستوى الإنجاز الذي يعود إلى تعدد الاستراتيجيات والبرامج التنفيذية وعدم المتابعة والتقييم.
القطاع العام يحتاج إلى اصلاحات جذرية ليس في القوانين فحسب بل في العقول التي تطبق هذه القوانين.. متى سيقتنع المسؤول والموظف أنه في المنصب خادم للناس؟
والحقيقة أن المسألة تجاوزت التناقض في الاستراتيجيات الموجودة أصلا, فالوزارات والمؤسسات تعمل وفق قوانين ناظمة لأعمالها, وهي القوانين التي تفتقر إلى التناغم ما يجعل المخرجات متباينة أو لنقل, مجموعة من العازفين على آلات موسيقية لا تصدر لحنا.
هناك حاجة الى وضع إطار قانوني يغني عن اللجوء الى الاكثار من اصدار الانظمة والتعليمات والى مؤشرات أداء تتابع عمل الوزراء ومسؤولو الصفين الثاني والثالث.
مثل هذا الخلل يلاحظه مراجعو الدوائر الحكومية في معاملات متعددة المرجعيات إذ يلاحظون التناقض والتضاد ليس بين القوانين والأنظمة والتعليمات فقط بل في الإجراءات، وقد كان ذلك من أهم أسباب فشل تجربة النافذة الواحدة في هيئة تشجيع الاستثمار «المسكينة» التي تخترق قراراتها وتهمش.
يقال إنه لتفريغ القانون من مضمونه ما عليك إلا أن تضع له نظاما تلحقه بالتعليمات.
الاصلاح الاداري ليس فقط دمج وزارات ومؤسسات والغاء اخرى انما هو توحيد المرجعيات القانونية وانهاء الزحام في كثرة التعليمات والانظمة.