عارٍ وبلا مأوى

فايز الفايز

هذا ما تدل عليه تجليات الأحزاب التي لن نستطيع الفكاك من تخلف الزمن القديم، فلا استشراف أو برامج واقعية تعيد مشهد الخمسينات والستينات من القرن الماضي في عمقها وأحياناً راديكاليتها، ولا برنامج عمل للنهوض بالعمل الحزبي من باب وصفة محددة تنهض بالإصلاح الديمقراطي، بل إن ما سمعناه قديما وحديثا لا يتعدى لغة «سنعمل»، حيث يبدأ التحشيد والترغيب ثم ينتهي مبكراً بالانسحابات، حتى لو لم يكن هناك صراعات فكرية، سنجد الكثير منهم عارٍ وبلا مأوى يظله.

إن المستقبل لا يمكن تجاهله في ظل جيل جديد من الشباب الذين صاموا وصمتوا كثيرا وهم ينظرون الى جيل أحبط كل همم الشباب في الولوج الى العالم الحيّ، لا إبقائهم في عالم البرزخ ينتظرون مقعدا قديما متآكلاً لا يتسع لحياة قادمة، فبناءً على مؤشرات أعمار الأجيال الجديدة، لن يتعدى معدلات بقاء الفرد على الحياة أكثر من خمسين عاماً، وتلك الخمسين كانت في ما مضى من عمر الدولة هي اللبنة الأساس التي بدأت بحقبة العام خمسين ميلادية، قبل أن تنهي حياة وصفي التل خدمة للوطن، فهل سيضحي أرباب الأحزاب بتقاعدهم المبكر كي تستمر المسيرة ا?تي بدأت بالانحراف الحزبي.

لا يمكن للرابضين على صدر القرار الحزبي والنيابي وهم يزاحمون بما أوتوا من عزم لإدارة ظهورهم لجيل متقدم علينا تماما، ولم يعد معه أي قبول للتسويف، يقابلهم صناعة البطالة وبطالة المحظيين يتوسدونها لخاصة الخاصة، فيما الشباب وقد غزاهم الشيب وتشبذت الكوابيس في تلابيبيهم، وقد أدركهم العمر حتى تحولوا كمن هم رعايا من الدرجة الثانية، فيما قبة البرلمان تحتضن ذات الطبقة المتآكلة، إلى أن وصلنا لترسانة من الموظفين الكبار وقد استداروا للعب دور حزبي لم يألفوه أصلاً ولن يفهموا ما الذي يريده الجيل اليوم والقادم غداً، كي يتعام?وا مع الطبقة الحزبية وصراعات المذاهب السياسية.

بات واضحاً أن أي إرادة تظهر يجرفها التيار فوراً الى قناة «الأحباب»، حتى لم نعد نفهم نحن الذين لا نتعاطى العمل الحزبي كيف يمكننا أن «نمسطر» الطول والقوة لجماعة فلان و استبعاد جماعة فلان، حيث أن جمهرة الأحزاب فعلياً وعلى أرض الواقع لم تتعدى ثلاثة أطياف توالدت تباعاً بشكل واضح وجريء عبر ستة عقود مضت، ابتداءً من الشيوعية الشرقية، لتلتحق بها الثانية وهي ما أطلق عليها القومية العربية، وما سيتفرع عنها من الناصرية الكاذبة، وبقي الإخوان المسلمون على ما هم عليه منذ تأسيسها، رغم إنفكاك و انسحابات العديد من التنظيم ال?خواني لتظهر مجددا تحت شجرتهم بتنظيمات الربيع العربي الذي أفرز أقذر مشهد يمكن للعالم العربي رؤيته، وغير ذلك من الأحزاب المصطنعة لن تقف على أقدامٍ قوية إن لم تكن برامجهم تغيير شامل لمعايير من سبقهم.

الأردنيون منذ بدء قيام الدولة كانوا يمثلون حزباً واحدا، رغم وجود حزبيين متأثرين بالبلشفة وأحلام التحرر عن الاحتلال البريطاني والفرنسي، ولكن لم تنجح أحزاب الثلاثينات والأربعينات بمنافسة الأحزاب السورية التي بنت هياكل الإدارة بعناية فائقة قبل الإنقضاض عليها من العسكر الطامحين لخدمة أنفسهم بقوة الجيش، ولهذا كان جيشنا الأردني من طليعة الجيوش التي بنت مجداً لا يطاوله أي حزب أو برلمان، فقد سُفكت دماء أبطالنا على أسوار القدس وفي كل قرية من فلسطين الشرقية، ولا زالوا على عهدهم.. أما ما نراه فهو لا يتعدى مشهدا تمثيل?اً فراغياً، ستتساقط حجارة بنائه قبل أن نبني الهيكل المزعوم، ولهذا نخشى الزمن ليس في صالح الجميع.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات