نزيف الشوارع.. متى يتحول إلى أولوية وكيف؟

سامح المحاريق

السيارات الثقيلة، الشاحنات والضاغطات، وقفت وراء حادثين كارثيين في الأيام الماضية في العدسية ووادي السير، وربما علينا أن نتذكر الحادثة التي أودت بحياة أكثر من عشر مواطنين قبل عشرين عاماً، وفي أي جلسة على امتداد المدن والقرى الأردنية وبمجرد أن يبدأ الحديث عن الشاحنات سنجد قصة أو أخرى عن شخص أفلت في اللحظة الأخيرة من حادث كادت تتسبب به شاحنة أو صهريج، فما الذي ننتظره؟

لنستعرض بدايةً بعض المحددات الضرورية، فالأردن تاريخياً ممر لحركة الشحن والقطاع يعتبر من روافع الاقتصاد الوطني، ويتوقع أن يعاود نشاطه السابق مع عودة التبادل بين سوريا والخليج إلى مستوياته التقليدية، ومزيد من الانفتاح على السوق العراقي، نتأمله ونسعى لتحقيقه، ومع ذلك، ففرصة أن نقوم بتعبيد طرقات خاصة من أجل الشاحنات تبدو فكرة لا تجد ما يدعمها من مخصصات مالية في ظل واقع المديونية القائم.

الطرقات الأردنية في المدن بشكل عام، وفي معظم المدن الرئيسية، طرقات جبلية تتراوح حدة صعودها ونزولها بين مدينة وأخرى، وداخل المدينة نفسها، وهو ما يسبب تحدياً للسائقين باختلاف أنواع السيارات، ووجود الشاحنات داخل المدن يتسبب بمواقف صعبة للجميع.

بالنظر إلى الجانب المكاني من المشكلة نجد أنه من الصعب أن نتعامل معه في ظل الظروف القائمة، ويبقى العامل الزمني الذي تطبقه بعض الدول وتضع أوقات معينة لدخول الشاحنات وعملها، ويبدأ عادة من منتصف الليل حتى الصباح الباكر، وهذا يمكن أن يحل جزئياً المشكلة في المدينة، مع وجود اعتبارات مثلاً لصهاريج المياه والمحروقات التي تحتاجها المنازل، ولا تستطيع أن تجدول احتياجاتها، وبذلك تتقدم مشكلة أخرى لتطرح نفسها على أرض الواقع، وهي عدم القدرة على ضبط التزويد لاحتياجات طبيعية للمواطنين، ولا يمكن أن تقدم في منتصف الليل أو ما ?عده، لأنه لا يعقل أن تسهر أسرة ترتبط بالعمل ومواعيده من أجل وصول المياه أو المحروقات.

تحليل المشكلة يدفع للوقوف على طرقات سريعة وخارجية، يمكن ضبطها في أوقات معينة، ومعرفة السائقين العاديين أن هذه الطرقات ستكون منشغلة بالشاحنات أثناء الليل سيدفعهم لجدولة رحلاتهم نهارياً، وفي داخل المدن، يمكن الحصول على أوقات ذروة محددة صباحية ومسائية تحول وتواجد الشاحنات والصهاريج والعربات الثقيلة داخل المدن، بحيث يتم تخفيض وقت تواجدها المسموح به، ويمكن للسائقين المرتبطين بما هو غير ضروري من احتياجات تأجيلها أو جدولتها لوقت لا يتضمن وجود الشاحنات والعربات الثقيلة في الشوارع.

السؤال الكلاسيكي، في ظل تشعبات البيروقراطية الأردنية، وتقاطع المسؤوليات الاعتيادي، من يمكن أن يتخذ خطوة من أجل إبراء الذمة، من يمكنه أن يحاور الأزمة بطريقة غير اعتيادية بين تشعبات الجهات التي يمكن أن تتحمس أو تعارض اتخاذ خطوات جدية من أجل وقف نزيف متواصل في الشوارع.

سياسات التسويف والتأجيل والنقاشات غير المنتهية تلتهم كثيرا من المشروعات، وبعض الموضوعات تأخذ وقتاً أكثر من اللازم لأن جهات رسمية كثيرة تراها أقل من أن تشغل اهتمامها وتحتل مكاناً في أولوياتها، وهي في النهاية، لا تنجز شيئاً في هذه الموضوعات ولا الموضوعات الكبيرة.

الغاية هي شوارع أكثر سلامة لمستخدميها، وهي أكثر أولوية من المفاعل النووي وأكثر واقعية في تحقيقه، وأثره يتماس مع جميع المواطنين، فهل من أحد يتصدى لتحقيق هذه الغاية البسيطة والمنطقية والمشروعة.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات