سامح المحاريق
قبل أيام وجدت البابايا الأردنية بسعر مناسب في أحد الثلاجات لمركز تسوق كبير في الأردن، الثمرة أصلها من أمريكا الوسطى، وتتلاءم مع الأجواء الاستوائية والمدارية، وقريباً من البابايا يتواجد الأفوكادو والدراجون فروت، وهذه مؤشرات جيدة على وجود تغيرات نوعية في الفكر الزراعي في الأردن، فتوافر هذه الثمار يعني أنها ستتمكن من خروج الأموال بالعملة الصعبة لاستيرادها، وحتى لو كانت منتجات غير شائعة لدى الأردنيين، ولكن وجود المنتج المحلي في النهاية يعني تحسيناً لمعادلة ميزان المدفوعات في النهاية، وهي نتيجة اقتصادية جيدة.
الصادرات الزراعية التقليدية في الأردن تعاني من مشكلة في الطلب في الأسواق الخارجية، فدول الخليج العربي التي تعد من أكبر الأسواق أمام المنتجات الأردنية بدأت مشروعات زراعية طموحة قائمة على استثمارات هائلة، بما يعني أن الاستراتيجية القائمة يجب أن تشهد تغييراً جوهرياً بما تشتمل عليه في طرفي الصادرات والواردات.
الفرق في الصادرات التي لا تجد أسواقاً يجب أن يتوجه إلى زراعة محاصيل كانت في جانب الواردات من قبل، هذه نتيجة مرغوبة اقتصادياً، بطبيعة الحال، طالما كانت الجدوى الاقتصادية قائمة.
استراتيجية الزراعة الأردنية تحقق تقدماً نوعياً، يبقى أن يتصل بالجانب الكمي لتحقيق الغايات المرجوة، وتبقى التحديات التقليدية الماثلة التي تحتاج ما هو أبعد من اعتبارها وظيفة داخل الحكومة تجاه التحول إلى مشروع وطني واسع.
العمالة الزراعية تمثل أحد المشكلات الجوهرية، وهذه مسألة ثقافية، وصحيح أن ثقافة العيب تراجعت نوعاً ما، كما يذهب بتفاؤل نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان في حديثه للإعلام قبل فترة قصيرة، إلا أن ذلك لم يحدث بشكل واسع، فالاختراقات التي تسجل غير كافية، وخاصة في القطاع الزراعي الكثيف في العمالة الوافدة والتي تصل تكلفتها إلى أبعد من الأجور المباشرة المحملة على تكلفة الإنتاج، ليستقر جانب كبير منها في صورة مدخرات وتحويلات إلى خارج الأردن.
هذه مهمة عابرة لوظيفة محددة داخل الحكومة، فالتربية والتعليم جزء من منظومة الزراعة، وللعمل دور مهم من خلال الفهم لطبيعة الاحتياجات خارج التأطير الرقمي، ولضمان عدم وجود فجوة في المستقبل تضر بالقطاع الزراعي، وتشجيع تشكيل شركات وتكتلات استثمارية في القطاع الزراعي، ووزارة المالية يجب أن تتجاوز الأهداف القصيرة تجاه تدعيم الاستثمار في القطاع الزراعي من خلال الاشتباك مع التفاصيل وليس الأهداف الكمية المرتبطة بالغلة الضريبية.
وبطبيعة الحال، التعليم العالي والبحث العلمي، الذي يمكن أن يخلق ميزة تنافسية للمنتجات الزراعية الأردنية ويعبر عن رأس المال البشري الذي تراهن عليه الأردن في رؤيتها للمستقبل قبل أي معطى آخر.
من المهم أن تتحول الاستراتيجيات الزراعية، والمبادرات المتعددة والطموحة، إلى ملفات عابرة للحكومات لتجنب العودة إلى نقطة الصفر من جديد.
الظروف العالمية تؤكد أولوية الأمن الغذائي، وبعضها ظروف من الواضح أنها ستستمر طويلاً، والتعامل مع القطاع الزراعي يجب أن يراعي تحولات جارية في البنى الاجتماعية في بعض البلدان، مثل الهند التي تبني طبقة متوسطة متطلعة للاستهلاك ستلتحق بالطبقة الوسطى الصينية، كما وستتواصل التأثيرات المناخية لتثير المزيد من القلق وستحتاج إلى رؤية أخرى تستلزم إعادة بناء خارطة زراعية للمستقبل وتستفيد من التنوع المناخي الذي تتميز به الأردن.