د.نهلا عبدالقادر المومني
يصادف الثامن عشر من حزيران اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية والذي يثير جملة من التحديات على المستويين الوطني والعالمي نظرًا لما يشكله هذا الخطاب من خطورة على أمن المجتمعات واستقرارها من جانب وعلى قيم التسامح والتعددية وقبول الاختلاف من جانب آخر.
وفي هذا السياق أكدّ المفوض السامي لحقوق الانسان أن “نشر الكراهية أمر يستخدمه أولئك الذين يرغبون في زرع الانقسامات وتشتيت الانتباه عن القضايا الحقيقية.. وأن الكراهية تولد التعصب والتمييز والتحريض على العنف”، كما أشار في معرض حديثه إلى أنه بدلا من تجريم حرية التعبير على الدول اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التحريض على العنف والكراهية.. وبناء الشبكات وتدعيم برامج التربية الرقمية والمعلوماتية.
على المستوى الوطني وكذلك الدولي ما يزال العالم يفتقد لتعريف واضح ومتفق عليه لخطاب الكراهية، بالرغم من المحاولات العديدة والمبادئ الدولية التي وضعت معايير لاعتبار خطاب ما على أنه خطاب للكراهية، ووضعت الأطر العامة للحدود الفاصلة بين ما يعد حرية للتعبير وما يعد خطابا للكراهية. وفي هذا الإطار كانت المعايير الدولية لحقوق الإنسان جلية في ضرورة قيام الدول الأطراف بتجريم خطاب الكراهية الذي يشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
في واقع الأمر عملية التجريم ووضع النصوص القانونية الواضحة لخطاب الكراهية لا يعد كافيا للحد من حجم هذا الخطاب وتبعاته؛ إذ أن التصدي له يتطلب جملة من الإجراءات والآليات أبرزها إنشاء قاعدة بيانات ترصد حجم هذا الخطاب ولمن يوجه وطبيعته والفئات التي يستهدفها وتصنيفه، هذه المعلومات التي يتوجب توظيفها بعد تحليلها في صنع السياسات التي من شأنها بناء وتعزيز قيم المواطنة والنهج القائم على حقوق الإنسان وتوجيه التربية والتعليم نحو بناء الشخصية الإنسانية التي تؤمن بكرامة الإنسان وبقبول الآخر وتعزز التعددية والتسامح.
كما أنه من الضرورة بمكان السعي نحو رفع قدرات الأفراد نحو التعامل مع المعلومات والمحتوى الإعلامي الذي يتلقونه من خلال أدوات ومكنات قادرة على إخضاع هذه المحتويات للتفكير النقدي وبشكل خاص من خلال التوسع في التربية الإعلامية، وفي الوقت ذاته التوسع في إدماج ثقافة حقوق الإنسان في المناهج الدراسية على اختلاف أنواعها ومستوياتها.
كما يعد انتهاج قيم النزاهة والشفافية والحد من الفساد والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لمكتسبات التنمية من المسائل المهمة التي تعمل على الحد من هذا الخطاب، وذلك بهدف الوصول إلى مجتمعات قوية ومسالمة تقوم على مؤسسات راسخة وفق ما أكدت عليه أهداف التنمية المستدامة.