لو تحدث باسل الأعرج عن “عيلي”

د.أحمد جميل عزم

عندما يمر الفلسطينيون وأشقاؤهم وأصدقاؤهم بعد اليوم، من جانب محطة البنزين القريبة من قرية اللبّن الشرقية، سيخبر أحدهم الآخر، هنا وقعت عملية “عيلي”، إشارة لعملية يوم 20 حزيران (يونيو) 2023، التي جاءت بعد يومين من مواجهة في مخيم جنين.

كان باسل الأعرج شابا فلسطينيا، يذهب في جولات تشرح تاريخ العمل الفدائي الفلسطيني، قبل أن يصبح هو فدائياً وشهيداً، العام 2017.

لو أن شاباً خرج من قرية بيرزيت، حيث جامعة فلسطين الأولى، مع آخرين يقصدون نابلس، مصطحباً ضيوفاً يزورون فلسطين لأول مرة، قد تصبح الجولة كما يلي: سيمرون في منطقة وادي الحرامية، حيث يشرح الشاب: في الانتفاضة الثانية، أطلق مروان البرغوثي نداء باستهداف الجنود على الحواجز العسكرية، وأحد الذين استجابوا للنداء، وهم كُثر، شاب اسمه ثائر حمّاد، من قرية سلواد، كان يعمل “دقّيق وبنّاء حجر” ويتخصص ببناء مآذن المساجد العالية، فحمل بندقية قديمة ونزل من قريته وربط حصانه الذي امتطاه، ثم قطع شارع وادي الحرامية، قبل شروق الشمس، مشياً باتجاه الغرب، وكمن بين الزيتون، وببندقيته القديمة قنص 11 جندياً، وأثناء العملية مرت مستوطنة مع أولادها، فأوقف الإطلاق وصرخ عليها أن تبتعد ثم أكمل عمليته. وهو الآن في الأسر قريب من مروان، وكتبت كتاباً يربط بين عمله الفدائي وجذوره الكنعانية.

تستمر الجولة، وقرب قرية ترمسعيا، سيقول الشاب، سمعت يوماً أغنية لمغنّ اسمه جورج قرمز يعيش في الولايات المتحدة واعتزل الغناء، ولكنه كان مهماً في السبعينيات والثمانينيات، سمعته يقول “أنا من ترمسعيا وكمان من طبريا”، وكانت هذه أول مرة أسمع فيها اسم القرية. وكما ترى بيوتها فلل كبيرة أشبه بالقصور، وغالبية أهلها مقيمون في الولايات المتحدة لكنهم يعودون دائماً، ويبنون بلدهم، وهنا استشهد الوزير الفدائي زياد أبو عين (العام 2014)، وهو يقوم بحملة مقاومة شعبية وزراعة الزيتون بعد أن اعتدى عليه الجنود.

ثم يقول الشاب، نحن في طريق نابلس رام الله، ولكني سأمر قرب قرية سنجل، وسآخذكم من الطريق القديم بين نابلس ورام الله، وليس الطريق الحالي. الطريق القديم يمر بين التلال، وهو صعود وهبوط، وليس مستوياً كالجديد؛ سنرى درجة أكبر من جمال الطبيعة، مع أن الطريق الجديد جميل أيضاً. وسيخبرهم الشاب عن المستوطنات المنتشرة على هذه التلال، والتي يخطط من فيها لأن تتصل فيما بينها يوماً على حساب أراضي القرى هناك مثل اللبن الشرقية.

سيقول لهم سأخبركم قصة “أبو محمد”: في زمن الانتداب قرر جيش الاحتلال البريطاني اقتحام نابلس، بخديعة، حيث استولوا على باص يقوده سائق اسمه أبو محمد، وفعلاً جعلوه يقود الباص تحت تهديد السلاح، وأثناء هبوط الباص من التلال العالية للوادي، أخذ أبو محمد قراره، لعله ردد الشهادتين داخله، وتذكر عائلته، وانحرف بالباص بأسرع ما يمكن ملقياً بنفسه والباص والجنود في الوادي السحيق.

بعد الصمت الذي يتلو رواية القصة، سيلوح من بعيد بيت، حوله أشجار لوز وحمضيات، يسكن هذا البيت المعروف باسم الخان، وهو منذ زمن الحكم العثماني، شخص اسمه أبو جمال ضراغمة، حاد الطباع، يقف بالمرصاد لكل المستوطنين والجنود، يحاول المستوطنون دائماً مضايقته، يهاجمونه بالعشرات، منعوه من ترميم بيته بحجة أن المنطقة أثرية، يدخل في صراعات متكررة بعضها مصور بالفيديو، وجَدَهُم مرةً يسبحون عراة في بركة مياه في أرضه، بحجة أنها مقدسة، فملأ الماء علفاً وسماداً. وهو وأولاده يقفون صخرة أمام رغبة المستوطنين في وصل أراضي المستوطنات ببعضها بعضا. ستقف السيارة قرب بيت أبو جمال يشترون بعض اللوز والزيتون الذي تبيعه العائلة من منتوج أرضها.

سيصلون الشارع الرئيسي، عودة لطريق رام الله- نابلس الجديد، وسيشير الشاب: هنا وقعت عملية عيلي، وسيوضح، يجب أن نمر من حاجز زعترة، هناك تتكرر حالة استهداف وقتل الجنود للفلسطينيين بدماء باردة. هذا المستوطنات يكثر فيها من يعرفون باسم شبيبة التلال؛ يهود متدينون يتبنون العنف بلا هوادة، حتى ضد الجيش الإسرائيلي الذي يحميهم، لو تباينت وجهات نظرهم، وسنمر في حوارة التي تدعو الحكومة الإسرائيلية لمحوها عن الوجود، وحيث وقعت عملية حوارة، في شباط (فبراير) الماضي.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات