لماذا نريد دولة فلسطينية ولا تريدها إسرائيل؟

سامح المحاريق

في الفترة ما بين نكسة حزيران 1967 وحرب أكتوبر 1973 التقت الصحفية الإيطالية الشهيرة أوريانا فالاتشي برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، وفي الحوار الطويل تعرضت جولدا للأردن أكثر من مرة، والاقتباس التالي ليس أكثرها خطورة بالمناسبة ولكنه مرتبط بأمور ما زالت قيد التفاعل التاريخي.

تقول مائير مخاطبة الصحفية: «في شرق وغرب النهر تجدين الشعب نفسه. شرحت لك سابقاً أنهم كانوا يسمون ذات مرة ((فلسطينيين)) وتالياً باتوا يسمون ((أردنيين)). إذا أرادوا أن يسموا أنفسهم ((فلسطينيين)) أو ((أردنيين)). فأنا لا أبالي قيد أنملة. إنه ليس عملي. إلا أن عملي أنهم لا يقميون دولة عربية أخرى بين إسرائيل وما يسمى الآن ((الأردن))، في امتداد الأرض بين (البحر المتوسط) وحدود العراق، يوجد حيز لبلدين لا غير؛ بلدي عربي وبلد يهودي.”

تسترسل مائير إلى أن تصل إلى نتيجة بخصوص الدولة الفلسطينية: «نحن لا نريدها. لا يمكننا أن نسمح بقيامها، لأنها سوف تستخدم بمنزلة الخنجر ضدنا.»

جولدا مائير الشريكة المؤسسة في بناء العقيدة السياسية والعسكرية في اسرائيل بقيت أكثر وضوحاً وثباتاً في صياغة مواقفها من زميلها ديفيد بن جوريون، ولذلك لا يمكن تجاوز هذه الأفكار التي تحدثت بها واعتبارها مجرد رأي شخصي.

تفكك المقابلة الرؤية القائلة والتي أخذها الكثيرون على الأردن لوصفه بدولة عازلة بين العرب ودولة إسرائيل، وأن إسرائيل تسعى لأردن مستقر نوعاً ما، ففي المقابلة، نفسها تلمح مائير إلى فكرة الوطن البديل بوضوح، وليتدبر الملك الحسين، الذي يظهر مدى البغض منها تجاهه وكذلك، الأمر مع الأردنيين والفلسطينيين.

لم يشهد التاريخ العربي صراعاً بين رجلي سياسة يقارب في حدته وسخونته ما كان بين الراحلين، الحسين بن طلال وياسر عرفات، وكان جزء من الخلاف حول تمثيل الشعب الفلسطيني، الملك الحسين يريد الأرض والشعب معاً في إطار قانوني يمكن لدبلوماسيته وعلاقاته أن توفر له الحد الأدنى من الحماية، وعرفات يتطلع إلى أي شبر من الأرض ليكون جزءاً من التكتيك المرحلي الذي استحوذ عليه، وإسرائيل، تريد الحسين أو عرفات، ولكن ليس الحسين وعرفات، بمعنى أنها تريد الأردن أو فلسطين وليس الأردن وفلسطين.

المشهد الختامي للعلاقة الصعبة والشائكة بين الرجلين شهد نهايةً سعيدةً ومرضية للطرفين، فطائرة الهيلوكبتر العسكرية الأردنية تهبط في باحة أحد القصور الملكية شتاء 1998، يهبط عرفات – بصحبة محمود عباس – من الطائرة ويقبل وجنتي الملك ورأسه وكتفه الأيمن، ويسأله الملك إذا كان متدفئاً بصورة جيدة في الجو الشتائي القارس.

منذ ذلك اليوم، أصبحت العلاقة قائمة على بقاء الأردن قيد المسافة المدروسة بعناية، وأن تترك السلطة الوطنية الفلسطينية لمواجهة الاستحقاقات السياسية لعملية السلام التي بدأتها منظمة التحرير في أوسلو 1993، وذلك من غير التخلي عن التنسيق المشترك، وهوامش معينة لإدارة ملفات تاريخية مرحلة من أهمها الضفة الغربية وقرار 242.

لا يقبل الفلسطينيون إلغاء الأردن، وطنياً وبرجماتياً، فالأردن هو الرئة للوجود الفلسطيني ولكامل مشروع السلطة في الضفة الغربية، ولا يقبل الأردنيون في المقابل، وطنياً وبرجماتياً، إلغاء فلسطين، لأن ذلك يعني انصياعاً للمشروع الإسرائيلي بتفاصيله كاملة، وتعريض الكيان البديل إلى مخاطر النهم التوسعي مستقبلاً.

من الناحية التقنية، لا يوجد ما يسمى الشعب الأردني والشعب الفلسطيني، هذه حقيقة وظفتها مائير بطريقة خاطئة ومشبوهة، فالجرمان يعيشون في ألمانيا والنمسا وأجزاء من التشيك، وسكان لوكارنو في سويسرا ايطاليون في لغتهم وثقافتهم، ثم ما هو الفرق الكبير من الناحية العرقية بين البرتغاليين والأسبان، ولكن من الناحية الواقعية توجد دولة أردنية أثبتت جدارتها في الاستمرار على الرغم من عواصف الإقليم وتقلباته، وتشكلت شخصيتها في ظل هذه العواصف والتقلبات حتى نضجت بصورة واضحة، وتوجد دولة فلسطينية يجب أن تبصر النور لدورها في إفشال ج?يمة تهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم وإثبات أرضية حقيقية من أجل أي سلام محتمل.

تمسكاً بالدولة الأردنية ووعياً بالمطامع الإسرائيلية يقف الأردن في معظم المحافل الدولية ليؤكد على حل الدولتين، ويظهر بوصفه العقبة القائمة أمام تنفيذ الحلول الالتفافية الأخرى، لأن المسألة وجودية في جوهرها، بل وربما كان إعلان الدولة الفلسطينية هو نقطة الإنطلاق الأردنية الحقيقية للخروج من حالة البين–بين أو التأقيت والترحيل تجاه واقع جديد يمكن على أساسه بناء تنمية حقيقية ومستدامة ولائقة في الأردن، وهذه من الأمور التي لا تريدها إسرائيل تحوطاً لمكر التاريخ.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات