د.نهلا عبدالقادر المومني
لم يعد يخفى على أحد أن السياسات العامة ورسمها ووضعها تشكل حجر الأساس في تحقيق التغيير الشامل في المجالات كافة، خاصة إذا ما اتسمت بالمنهجية واستندت إلى معطيات وأرقام وبيانات تعكس بصورة دقيقة واقع الحال لتشخصه وتسد الفجوات القائمة. وفي الوقت ذاته يعد اشراك الفئات كافة ذات العلاقة في إعداد وبناء هذه السياسات عاملا جوهريًا في نجاحها وتطبيقها على أرض الواقع.
وبصورة خاصة تكتسب مشاركة المرأة في رسم السياسات العامة في الدولة أهمية خاصة لعدة معطيات، أولها أنّ هذه المشاركة تعتبر أحد الالتزامات التي أكدت عليها المعايير الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي أشارت إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات التشريعية والإدارية كافة التي من شأنها القضاء على التمييز ضد المرأة، بما في ذلك اتخاذ التدابير المناسبة التي تكفل مشاركة المرأة في وضع وتنفيذ التخطيط الإنمائي.
وعلى غير صعيد فإنّ أهداف التنمية المستدامة وتحديدا الهدف المتعلق بالقضاء على الفقر بكافة أشكاله أكد على ضرورة أن يتم وضع أطر سليمة على مستوى السياسات على الصعيد الوطني استناداً إلى إستراتيجيات إنمائية مراعية لمصالح الفقراء ومراعية للنوع الاجتماعي، من أجل تسريع وتيرة الاستثمار في الإجراءات الرامية إلى القضاء على الفقر. كما أكد الهدف الخامس من الأهداف ذاتها المتعلق بتحقيق المساوة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات على اعتماد سياسات سليمة وتشريعات قابلة للإنفاذ وتعزيز السياسات والتشريعات القائمة من هذا القبيل للنهوض بالمساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات على جميع المستويات.
هذه الأهداف والمؤشرات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان جميعها تؤكد على ضرورة أن تكون المرأة جزءا فاعلا في عملية وضع السياسات؛ وهذا التأكيد لم يأت من فراغ وإنما من ادراك تام بأنّ ذلك ينعكس بالنتيجة على وضع الاحتياجات والحقوق الخاصة بالنساء ضمن السياسات العامة في الدولة لتكون أدوات ومكنات لتمكينها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وعلى جانب آخر وحيث أن الإنفاق يشكل عاملا حاسما في تعزيز الحقوق وممارستها فإن قدرة النساء ومشاركتهن الفاعلة في وضع ورسم السياسات العامة يعد عاملا أساسيا في تبني الموازنات الحساسة للنوع الاجتماعي والتي من شأنها أن تردم الفجوة بين الفئات كافة وتشكل أحد العوامل والعناصر التي تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات.
في الواقع إن مشاركة الأفراد كافة في وضع السياسات العامة ورسمها بما في ذلك المشاركة الفاعلة للمرأة سيشكل عاملا فارقا وتحولا ملحوظا في أن تكون السياسات -التي ستتحول بالنتيجة إلى برامج وخطط وتشريعات في أحيان أخرى- أداة في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة التي سيلمس الأفراد أثرها على أرض الواقع.