أخبار حياة – أنس الأمير _ ما لبثت أن بدأت نتائج بورصة عمان وبيانات شركاتها المُدرجة بتقديم مؤشرات متفائلة عن حالة تعافٍ وازدهار مستقبلي حيدت نظرة الاستثمار السلبية مؤقتًا عنها؛ حتى عادت الأرباح النصف سنوية في عام 2023 بالتخوفات ذاتها، بعد عام سبقه كان زاخرًا حققت فيه أرباحًا بلغت بعد الضريبة 1.27 مليار دينار.
وتراجع حجم التداول في النتائج النصف سنوية في 2023، بنسبة %7.7 إذ بلغ نحو 851.5 مليون دينار، وبمعدل يومي لحجم التداول بلغ نحو 6.4 مليون دينار، مقارنة مع 923 مليون دينار ومعدل تداول يومي بلغ نحو 7 ملايين دينار لنهاية شهر حزيران من العام الماضي، وتم تداول 586.9 مليون سهم تمت من خلال 375.9 ألف عقد لنهاية حزيران الماضي،
فيما أغلق المؤشر في النصف الأول من العام الحالي عند مستوى النقطة 2465، في حين أغلق للفترة نفسها من العام الماضي عند مستوى 2476. واستحوذ قطاع الصناعة على نحو 35 % من حجم التداول والذي بلغ قرابة 306 ملايين دينار تلاه القطاع المالي بنسبة 33 % وبحجم تداول بلغ 286 مليون دينار، ليحل قطاع الخدمات في المرتبة الأخيرة بنسبة 31 % وبحجم تداول بلغ 271 مليون دينار.
وأكد خبراء اقتصاديون أن العوامل المُساهمة في تراجع أداء بورصة عمان منذ الربع الأول في 2023 كثيرة، حيث إن بعضها مشاكل داخلية أضعفت نمو حجم التداول وزدات من عزوف المستثمرين عنها، وأخرى جاءت بفعل أثار اقتصادية عالمية “كأسعار الفائدة”.
ويرى هؤلاء في حديث لـ “أخبار حياة”، أن على الحكومة التحرك عاجلًا في إعادة النظر ببعض التشريعات، وعلى بعض القطاعات خلق عوامل تحفيز لإعادة فائدة الاستثمار، إلى جانب تهيئة السوق المالي لامتصاص الضربات السطحية أقلها، باعتبار الأخيرة سوق “حساسة”.
ـ تراجع الأداء أثر جانبي للفائدة ـ
الرئيس التنفيذي لبورصة عمان مازن الوظائفي أكد بتصريحات سابقة، أن السوق يعاني من نقص في السيولة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مشيرا إلى أن المستثمر “يفضل” إيداع أمواله في البنوك بدلا من البورصة.
وفي السياق، يرى نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية، جواد العناني، أن مواكبة البنك المركزي لقرارات رفع أسعار الفائدة ـ منذ منتصف عام 2022 حتى منتصف عام 2023ـ، مكنه من الحفاظ على الاستقرار النقدي في المملكة وعلى سعر صرف الدينار مقابل الدولار.
وقال العناني لـ “أخبار حياة”، إن رفع أسعار الفائدة جاء بكلفة أثرت على قطاعات ـ رغم النجاح في تحقيق أهداف الاستقرار النقدي ـ، حيث انعكست على انخفاض أسعار الأسهم في السوق المالي، وارتفاع القروض على الديون الحكومية، ورفع كلفة الاستثمار.
“وكرد فعل رئيسي أصبح المستثمر يودع أمواله في البنوك للحصول على عوائد مالية أعلى بارتفاع أسعار الفائدة على حساب بيع أسهمه في الشركات المُدرجة، وذلك أدى لتراجع حجم التداول في 2023 كما أظهرت النتائج المالية للنصف الثاني”، يكمل العناني.
ويتفق الخبير الاقتصادي، وجدي مخامرة، أن السوق المالي بدأ يتراجع، حيث قدمت النتائج المالية النصف سنوية لـ 2023 مؤشرات سلبية،؛ انعكست بفعل انسحاب جزء من السيولة في السوق المالي، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة للاستثمار في الودائع أو في القطاع العقاري.
ـ سوق ضحلة ـ
وأكد رئيس مجلس إدارة بورصة عمان الأسبق، أن ارتفاع الفائدة لا يعتبر عاملًا انفراديًا بانطفاء وهج السوق المالي في 2023، إذ يشاركه انخفاض قيمة أسهم عدد كبير من الشركات المُدرجة، وأنحصار الربحية لدى ثلة بنوك مما جعل السوق ضحلًا وليس عميقًا للاستثمار.
وأضاف إن “التوجس من أسهم الشركات الاستراتيجية صار في مرحلة رفيقًا للمستثمر نتيجة تذبذبها بين ارتفاع وانخفاض؛ ليتوجه إلى الشراء من الشركات الصغيرة لتحقيق ربحية مادية ذات جدوى، إلى أن وصل للابتعاد عن السوق حفاظًا على السيولة”.
وبين أن هناك نوعان من المستثمرين بالسوق المال؛ ففيه الأول مضطر ويريد تحويل أسهمه إلى سيولة بشكل سريع، فيما الثاني يمتلك أسهمًا يريد بيعها لتنويع استثماراته، مع ذلك فإن الطلب ما يزال غير كافٍ على أسهم الشركات إجمالًا.
فيما قال مخامرة، إن المضاربات غير العادلة وانتشار التسهيلات المقدمة على الأسهم، أدت لتراجع أحجام التداول، كما أدت لتصفية صناديق مالية استثماراتها في السوق المالي متوجهة إلى قطاعات أخرى لتحقيق عوائد استثمارية أفضل.
وبحسبه فإن السيولة موجودة بأيدي المستثمرين، لكن حالة عدم الثقة في السوق المالي تزيد من فجوى العزوف، إلى جانب فقدان الرقابة الرسمية والكفاءات الفنية، وكذلك اختفاء الدراسات والأبحاث.
ـ تراجع الاستثمار الأجنبي ـ
وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي، فقد تراجع في النصف الأول من 2023 إلى صافي 24 مليونًا ومئتي ألف دينار، وهو الفارق بين مجمل الأسهم المباعة والمشتراة، مع ذلك يبقى الفارق أقل من حجم التراجع الذي سجل في ذات الفترة من العام الماضي ووصل إلى 70 مليونًا.
وأوضح العناني أن الهبوط المتستمر لأسعار الأسهم دب نوعًا من التردد لدى المستثمرين الأجانب لدخول السوق المالي، فيما المستثمرون فيه قبلًا أصبحوا يهاجرون منه إلى قطاعات أخرى لتحقيق عوائد مجزية.
وبتعدد التحديات الطاردة، تأتي حساسية السوق المالي ظاغطًا إضافيًا لتراجع أدائها، لأن تأثرها عالٍ أمام التحديات التي انعكست على الرقم القياسي لأسعار الأسهم، وفق العناني.
ـ متطلبات تحفيزية ـ
العناني أكد أن الضرورة أصبحت ماسة لتشكيل لجنة بقرار حكومي، وذلك لدراسة أوضاع الشركات المتعثرة وتعويض خسائر مساهميها، مشيرًا أن إلى ذلك سيرجع بالنفع على انتعاش سوق مالي.
وأضاف “لا يجب أن تصمت الحكومة عن أوضاع الشركات المُدرجة لأثر ذلك على المناخ الاستثماري والتوجهات لاستقطاب الاستثمارات.
وبين أن الحكومة ضيعت عشرات الملايين جراء فرضها رسوم عمولات التدوال، وهذا أصبح يستدعي إعادة النظر فيها وتخفيضها على المستثمرين، إلى جانب ضرورة تحرك البنوك من خلال شراء الأسهم الفائضة لامتصاص الأسهم القابلة للبيع، وعند ارتفاع السهم تعاود بيعها.
وتابع “على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي تعزيز صندوقه الذي أسسه برأس مال يبلغ 50 مليون دينار وإيصاله إلى 100 مليون لتحريك السوق المالي”.
يؤيد مخامرة في أنه يجب إعادة النظر في رسوم عمولات التدوال كإجراء أساسي لتقليل فجوى العزوف وتعزيز الاستثمار، وكذلك يجب تسويق بورصة عمان لدى المستثمرين الأجانب والعرب، وتعزيز حضور الاستثمار المؤسسي.
ـ السوق المالي ورؤية التحديث ـ
وتسعى رؤية التحديث الاقتصادي للسنوات العشر المقبلة لرفع معدلات النمو الى نسبة تسمح بخلق وظائف، مستهدفة نسبة نمو تصل إلى 5.8 % ستوفر نحو 1.1 مليون وظيفة.
كما تستهدف الرؤية رفع القدرة التنافسية للاقتصاد في جميع المحركات الأساسية، من خلال تحسين جودة البنية التحتية والبيئة التشريعية، ومرورا بسهولة ممارسة الأعمال
وأكد مخامرة أن حالة تراجع الأداء في السوق المالي ـ مرأة الاقتصاد ـ ستؤثر على خطط الاستثمار الحكومية، لأن المستثمرين ينظرون إلى مؤشرات السوق والتي لا يتجاوز حجم التداول اليومي فيه بين 2 إلى 3 مليون دينار.
ولفت إلى أن خطة التحديث الاقتصادي تحتوي بنودًا للنهوض بمكونات الاقتصاد الوطني بما فيها السوق المالي، إلا أن التطبيق الفعلي لتحقيق أهداف الخطة يحتاج لتنفيذ سريع.