تعرفوا على موضوع خطبة الجمعة

أخبار حياة- عممت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، خطبة الجمعة الموحدة، على جميع مديريات الوازرة.

وحملت الخطبة الموحدة ليوم الجمعة الموافق 1/9/2023، عنوان “يوصيكم الله في أولادكم”، وتاليا نص الخطبة:

  استهل القرآن الكريم آيات الميراث بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ} سورة (النساء:11)،  بدأ بها لأنها ركن من أركان الدين، وعمدة من عُمد الأحكام، لما تقرره من القواعد والأصول في بيان أحكام ميراث الفروع والأصول.

  ومن رحمة الله تعالى بعباده توصيتهم بأولادهم تنبيهاً على المعنى الذي يتعلق به حكم الميراث، وقد دل تعبير القرآن الكريم  بـ ( يوصيكم) على الطلب المقترن بالوعظ لتحريك قلوب المخاطبين لتحقيق ما أوصى الله تعالى به من تقسيم تركة الميت على المستحقين، والآية تدل على تجديد وصية الله تعالى في كل زمان ومكان بتنفيذ الأحكام الشرعية، وهي وصايا تتعلق بالمال في ختام حياة صاحبه.

  ولا ريب أن هذه المرحلة الخاتمة  لمراحل حياة  رب الأسرة لا تنفك عن مراحل بدايات تكوين هذه الأسرة المؤمنة الطيبة التي تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال؛ ذلكم لأن الأسرة امتداد للحياة البشرية، وسر بقائها، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ وتميّز الاسلام بالرعاية الكبرى لها، قال الله تعالى: {إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ} (سورةالاحزاب:72)، فجاء من ضمن معاني الأمانة؛ أمانة الأهل والأولاد، فيلزم الولي أن يتعهدهم بالتربية والعدل بينهم وأن يأمر أهله وأولاده بالصلاة، ويحفظهم مما حرمه الله تعالى، لأنه مؤتمن ومسؤول عما استرعاه الله .

إِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد لهو من أَجَلِّ الأمور التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، والإعلاميين.. للمحافظة على بقاء الأسرة الصالحة في المجتمع، لتنجو من نار جهنم يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (سورة التحريم:6)، والرسول صلى الله عليه وسلم جعل كلاً من الرجل والمرأة مسئولا عن أمانة بيته حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها”. (أخرجه البخاري). 

وهكذا أولى الإسلام جانب التربية والتأديب عناية خاصة، وأوجب على الوالدين تعليم أبنائهم وحسن تأديبهم، فعلى كل أبٍ وأمٍ أن يَـبُثَّـا في نفوس أولادهما عقيدة الايمان بالله ويغرسا في أذهانهم مبادئ الإسلام السمحة منذ نعومة أظفارهم، وعليهما أن يحرصا على تعويدهم أداء العبادات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع”. (أخرجه أبو داود).

وقد كان أهل الصلاح من هذه الأمة يحرصون على تنشئة أطفالهم على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الاطهار وتلاوة القرآن و الحرص على أن يختم ختمة في كل شهر، وتعليمهم حب أوطانهم وتثقيفهم بمختلف العلوم النافعة، التي لها الأثر القوي في تنشئة الطفل وتكوين شخصيته، ناهيك عن حرصهم على حضور أطفالهم مجالس العلم والخير لينهلوا من معينها ويتربوا على الفضيلة والكرم، قال الله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ }(سورة المجادلة:11)، وقال صلى الله عليه وسلم: ” من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ” أخرجه ابو داود

 ونحن اليوم ننظر الى طلابنا وأبنائنا وفلذات أكبادنا وهم يستقبلون عامهم الدراسي الجديد بكل نشاط وحيوية، فبداية كل عام دراسي تمثل بداية رحلة جديدة من التعلم والتطوير، حيث تمتلئ أروقة المدارس بضحكات الطلاب وحماسهم لاستقبال المعرفة والمعلومات الجديدة، وفي هذا السياق، يأتي دور المعلمين في صقل مستقبل هؤلاء الطلاب وتوجيه خطواتهم نحو التفوق والنجاح.

فالأولاد غرس الآباء، وثمرات أفئدتهم، فإن كان الوالد حريصاً على رعاية غرسه وتعاهده، وحمايته من الآفات التي قد تفسده أو تهلكه، فإنه يكون غرساً صالحاً، مثمراً نافعاً بإذن الله، وإن أهمله وتركه، ولم يعطه حقه من الرعاية والعناية، فإن مصيره في الغالب هو الهلاك والبوار، فيشقى بنفسه، ويشقي والديه ومجتمعه من حوله، فما نراه اليوم من ممارسات سيئة كالتدخين مجاراة ومجاملة لرفقاء السوء ؛ حتى يصير مدمناً مثلهم, فيثبت لهم بالدخان أنه رجل, وأنه حر, وأنه لا يخاف من أحد ، أو تقليداً للأب المدخن، فالأب يدخن وما علم بالعواقب والمصائب التي زرعها في بيته، وفي أسرته، وفي أولاده، وربما في قرابته وجيرانه، وقد بينت دائرة الافتاء العام في المملكة أضرار هذه الآفة وحرمتها لما لها من آثار سيئة على الافراد المجتمعات.

فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا مثالاً حسناً وقدوةً صالحة لأبنائهم، ليقتدوا بهم ويستنوا بهم.

               وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتـــيانِ مِنّــا              عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوه

               وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن               يُعَلِّمُـــهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ

ومن الوصاية بالأبناء العدل بينهم، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالعدل والإحسان، في كتابه الكريم فقال:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النحل:90)

ولا شك أنَّ أَوْلى ما ينبغي أن يُراعَى فيه العدل: العدلُ بين الأبناء، فلا يفرق بين ولد وآخر في النفقة أو العطية، عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال – وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -:

أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ:فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه، وفي رواية: ( لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ )

فليحذر الآباء والأمهات من تفضيل الذكور على حساب الإناث في المعاملة أو المودة أو في الهبات والأُعْطِيات، فما نراه اليوم من حرمان للإناث من حقهنَّ في الميراث بحجة زواجها أو عملها، حرامٌ شرعاً وقطيعة للرحم ، فكيف يطيب ذلك وهي المؤنسة الغالية .

وعلى كل واحد منا إذا لمس أن هنالك ظلمًا وجَوْرًا وقع أن يراجع نفسه، وأن يعيد الحقوق الى أصحابها فحقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة، فالله يسامح ويسمح في حقه، أما حقوق العباد تبنى على الطلب والسد في الحال بدون تأخير. 

وبهذا الالتزام ينال الجميع رضوان الله تعالى، ويحفظ الله سبحانه وتعالى الأسر والبيوت من النزاع والشقاق، ويلقى أحدنا ربه وما في قلبه حقد ولا ضغينة على أحد من الأرحام أو المسلمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102. 

لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.

   سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

والحمد لله ربّ العالمين

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات