عوني الداوود
بلا شك هي مرحلة جديدة يعيد رسمها المقاومون الفلسطينيون على أراضيهم المحتلة وبدمائهم الزكية، فالهدف يستحق التضحية بالغالي والنفيس، وكل الفلسطينيين اما شهيد أو مشروع شهيد أو حالم بالشهادة..وهذا سر القوة والعظمة والعملقة التي تحققت في مواجهة عدو لا هدف له ولا قضية يدافع عنها، فهو مغتصب طارئ على هذا المكان وفي هذا الزمان، وجد نفسه في مكان هاجر اليه ليكون أرض الميعاد.. وفلسطين هي بالتأكيد أرض الميعاد، وأرض القدس والمقدسات، ومهما حيكت مؤامرات الصهاينة واعتداءاتهم المتواصلة على المسجد الاقصى فان الليل لن يطول «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون».
ما حدث ويحدث خلال الساعات الماضية من الواضح أنه مقدمة لما سيحدث..وفي موضوع (ما سيحدث) من الواضح أن فلسطين والاقليم وربما العالم أمام مرحلة جديدة من المتغيرات تعاد فيها الحسابات وعلى أعلى المستويات الأمنية والاستخباراتية والاستراتيجية وفي عواصم العالم، لأن ما حدث من الواضح أن أحدا لم يتوقعه ولم يدرجه حتى في أي فرضيات محتملة، على أساس أنه ضرب من الخيال وفقا لموازين القوى، متناسين أن الظلم والكبت والضغط كلها تولد الانفجار.. لا بل زلزالا يأكل الأخضر واليابس.. وبالتوازي مع كل ذلك فقد تناسوا في حساباتهم مفعول قوة الارادة والعزيمة والايمان بالوطن والمقدسات.
منذ ثلاثة أسابيع فقط كان جلالة الملك عبدالله الثاني يحذّر من على أعلى منصة عالمية في الامم المتحدة من مغبة ما يجري في الأراضي المحتلة ومن استمرار الانتهاكات والاعتداءات الاسرائيلية على القدس والأقصى، مؤكدا جلالته بأن «المعاناة ستستمر في منطقتنا إلى أن يساعد العالم في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحل القضية المركزية في الشرق الأوسط، وأنه لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين أن يثبت أساساته فوق الرماد المحترق لهذا الصراع.»
لكن الصلف والعناد الاسرائيلي عبّر عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ومن على نفس المنصة مبشّرا بشرق اوسط جديد وخارطة جديدة مزعومة لم يكن يحسب أن شطبه فلسطين من على خارطة من صنع يديه الملطختين بدماء الأطفال والمكبلتين بالفساد والمهددتين بقيود قضاء يعمل منذ شهور مع حكومة يمينية متطرفة مطلوبة للعدالة على سحب البساط من تحت القضاء الاسرائيلي لينجو مما ارتكبه من أفعال يرفضها حتى الشعب الاسرائيلي نفسه.
لم يكن نتنياهو يحسب بأن شطبه لفلسطين – بما فيها غزّة العزّة – من على الخارطة المزعومة، ستثبته المقاومة الفلسطينية فعليا في عملية «طوفان الاقصى».
لطالما خاطب جلالة الملك عبدالله الثاني، العالم من كافة المنابر الدولية بأن سياسة الجدران العازلة والقرارات الأحادية والتهجير والاستيطان لن تحمي اسرائيل، وأن «السلام الاقتصادي» لن يحقق لها السلام، ولن تكون هناك مشاريع ولا استثمارات آمنة في المنطقة اذا لم يكن هناك سلام حقيقي ينعم به الفلسطينيون أولا كما كافة شعوب المنطقة بل كما كافة شعوب العالم.
اسرائيل لا تتعلم ولا تريد أن تتعلم الدروس وهي تواصل صم آذانها عن جميع النصائح والنداءات وتدير ظهرها لكل الجهود السياسية والدبلوماسية بغطرسة واهية اثبتت المقاومة شدّة وهنها وضعفها وأنها مجرد أكذوبة كبيرة لا أساس لها.
الولايات المتحدة الامريكية وكثير من دول العالم هبّت لنجدة اسرائيل كما هبت لنجدة اوكرانيا.. لكن لا بواكي للفلسطينيين في زمن باتت فيه المعايير المزدوجة مكشوفة، تماما كما أدار العالم ظهره للاجئين الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والليبيين وغيرهم، وباتت الأولوية فقط للاوكرانيين.. لم يدرك المجتمع الدولي بعد أن العالم يتغير وأن البشرية المسحوقة تتذمر وأن ما يجري في العالم من ظلم بات يفوق التحمّل، ومن هنا نرصد ما يجرى في افريقيا مؤخرا من لفظ للاستعمار الاوروبي والفرنسي تحديدا كان آخرها ما جرى في نيجيريا.
اسرائيل لن تستطيع مهما أوتيت من قوة أن تغيّرالخارطة، وعلى الارض الأمور تتبدّل.. وعملية «طوفان الاقصى» ستغير قواعد اللعبة، وعلى المجتمع الدولي ان أراد مصلحة اسرائيل ان يضغط عليها لتعيد للفلسطينيين حقهم المسلوب، لأنها لن تستطيع ابادتهم ولا الغاءهم ولا الالتفاف على حقوقهم..والبديل عن السلام الحقيقي العادل والشامل ليس ما جرى بل وما سيجري.. وما ضاع حق وراءه مطالب.