رؤية في أحد السيناريوهات السيئة

سامح المحاريق

نشرت الصحافة الإسرائيلية أخباراً عن شكاوى سكان مستوطنات الأغوار من التدريبات الليلية للجيش الأردني، وأصبحت رسالة تواجد الجيش وانتشاره على الحدود واضحة لدى الجانب الإسرائيلي.

هذه ليست المرة الأولى، ففي نوفمبر 2019 نفذ الجيش العربي مناورات عسكرية على الحدود تابعتها إسرائيل عن كثب، وتحدثت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية.

التساؤل المهم، وبغض النظر عن السيناريوهات التي وضعت أمام القيادة السياسية والعسكرية في الأردن، هل توجد خطة تعبوية أوسع يجب أن يوضع الأردنيون جميعاً أمام بعض تفاصيلها وتكلفتها.

تلقت إسرائيل ضربة مزلزلة في السابع من أكتوبر أدت إلى تشويس حواسها الاستراتيجية، لتتحرك في فعل انتقامي موسع تتبدل أهدافه من غير منطق، ووراء ذلك الفعل تكمن حكومة هشة شعبياً تقوم على ائتلاف شيطاني يمكنه أن يمضي في أي مغامرة إلى شوطها الأخير، عدا عن أن الأمور يمكن أن تفلت خارج حدود إرادته أو تقديره.

من المؤشرات المقلقة هو تواصل عملية توزيع الأسلحة على المستوطنين، وهي مبادرة أطلقها المتطرف إيتمار بن غفير لتتحول إلى سياسة يتبناها بنيامين نتنياهو ويتابعها بصورة شخصية، وهي الخطوة التي تتجاوز فكرة الإجراء التحوطي لتصبح لغماً أرضياً يمكن لأي أحد أو جهة أن تضغط عليه ليتشظى في المنطقة ككل، وأولاً تجاه الأردن.

المقامرة الإسرائيلية يمكن أن تمضي لعسكرة المشهد لمصلحة اليمين الإسرائيلي بقوة السلاح والأمر الواقع، فالحرب الأهلية داخل اسرائيل تبدو مستبعدة لأن أحد الأطراف يمتلك مخالباً وأنياباً، والطرف الآخر، عاجز مشتت وتائه وعاجز عن التغيير السياسي وبعيد عن إحداث أي تأثير عملي.

لن تنتظر القوات الأردنية لتجد نفسها في مواجهة طوابير طويلة من النازحين تجاه الأراضي الأردنية، من الناحية الأخلاقية والوطنية لن تنطلق رصاصة أردنية واحدة، ولكن سيتم تجهيز تدبيرات الاستيعاب، وما يجب أن يعرفه الجميع أن ذلك سيكون داخل أراضي الضفة الغربية، في شريط داخل الأغوار غرب نهر الأردن.

من الناحية القانونية، وبناء على قرار مجلس الأمن 242 يمتلك الأردن القدرة على قلب الطاولة، يحتاج في ذلك مساندة عربية وفلسطينية، وجبهة داخلية تستوعب أن فك الارتباط لم يحصل على صبغته الدستورية إلى اليوم.

هل يمثل هذا السيناريو شطحاً بعيد المدى؟ يجب الاعتراف بأنه يقوم على احتمالية ضعيفة للغاية، وليس مناسباً للوقت المتبقي من الفترة الأولى (وغالباً الأخيرة) للرئيس بايدن في البيت الأبيض، ومع ذلك، فاستبعاده ليس بالأمر الذي يتصف بالحكمة.

تمضي المنطقة إلى صياغة جديدة، وعندما شارك الأردن في الوقوف ضد صفقة القرن فإن ذلك أتى نتيجة تجاوزات كبيرة على حقوقه والحقوق الفلسطينية، وعدم تقديمه حلاً مستداماً بقدر ما يولد مشكلات جديدة، والتسخين يمكن أن يقود إلى مسار تهدئة جديد يحمل مشروعاً للسلام يستهلك الوقت ربما لعقدين أو ثلاثة من الزمن.

هذا المسار تريده إسرائيل تحت سقف صفقة القرن، ليقول العرب وقتها، لو كنا قبلنا بصفقة القرن لكان أفضل، وهذه عبارة تكررت كثيراً على امتداد الصراع وفصوله المتعددة، ونريده يتجاوز صفقة القرن بكثير، ويقارب حدود 242 ومنطلقاته، وفي النهاية، يتوقف الأمر على وجود المساندة العربية والدولية.

هذه الفوضى والاحتمالات المفتوحة أمام مقامرة اليمين الإسرائيلي ومقاومته للاضمحلال والتلاشي، وعدم وجود البديل الذي يستطيع أن يتقدم بمقاربة حقيقية وواقعية، يجب أن يستدعيها الأردنيون، فالمعركة في الغور وحوله يجب أن تمتد لها شرايين الأردن جميعها وأن يتحلى الجميع بالمسؤولية وإنكار الذات وأن يبتعدوا عن التصيد في الماء العكر والتنظير غير المنتج وتصفية الحسابات بأثر رجعي.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات