أخبار حياة – فعل الأمناء العامون للأمم المتحد المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، نحو 13 مرة منذ خمسنيات القرن الماضي، نتيجة صراعات هددت حفظ السلم والأمن الدوليين.
وتنص المادة 99 من الميثاق على أن “للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”، ولخص المختص في القانون العام معاذ أبو دلو خلال حديثه لـ حياة عن أهمية هذه المادة قائلًا “جاءت للانتقال لطاولة المفاوضات التي يكون فيها لأمين عام الأمم المتحدة الدور الرئيسي في حل المشكلة انزاع بين دولتين”.
ووسط معطيات متسارعة عن غلو الاحتلال في عدوانه على غزة الذي تسبب خلاله بفقدان أروح أطفال ونساء وشيوخ ودمار عمراني، ينبثق السؤال كيف سيكون وقع المادة 99 من ميثاق الأمم بوقف إطلاق النار؟.. وهل هناك براهين على أنها أقوى أداة أممية؟.
نستعرض تاليًا استخدمات المادة 99 من ميثاق الأمم:
1 – أزمة الكوريتين 1950
في عهد أول أمين للأمم المتحدة تريغفي لي (1946-1953)، حيث هاجمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، وأبلغت الولايات المتحدة الأمين العام حينها لي بالهجوم، وبالفعل حصل الأمين العام على تأكيد مستقل وتفاصيل الهجوم من لجنة أممية معنية بكوريا.
وتحدث لي في 25 حزيران 1950، خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن بطلب أميركي قاطعه الاتحاد السوفييتي، أشار حينها إلى أن “القوات الكورية الشمالية قامت بأعمال عسكرية”، والتي كانت “انتهاكا مباشرا” لقرارات الجمعية العامة.
وقال الأمين العام إن هذا الوضع شكل “تهديدا للسلام الدولي، وأنا أعتبر أنه من واجب مجلس الأمن الواضح أن يتخذ الخطوات اللازمة لإعادة إحلال السلام في تلك المنطقة”. حيث أصدر مجلس الأمن قرارات تدين الهجوم باعتباره خرقا للسلام. وفي 27 حزيران للعام ذاته، دعا مجلس الأمن أعضاء الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة لصد الهجوم.
2 – أزمة لاوس وفيتنام 1959
في عهد الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد (1953-1961)؛ زعمت لاوس تعرضها لعدوان فيتنامي، وطلبت من همرشولد إرسال قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة، الذي بدوره طلب من رئيس مجلس الأمن عقد جلسة “على وجه السرعة”.
وأبدت الولايات المتحدة رغبتها في تقديم مشروع قرار لإنشاء هيئة لتقصي الحقائق كمسألة إجرائية، وبالتالي تجنب الفيتو السوفييتي. خلال الاجتماع الذي عقد في أيلول، صرّح الأمين العام بأنه لم يستند إلى المادة 99، والذي كان من شأنه أن يجعل الأمر يعتبر جوهريا، ولكنه قدم فقط تقريرا إلى اللجنة العليا بشأن بند جدول الأعمال الذي قدمه رئيس مجلس الأمن.
وذكر أنه ليست لديه المعرفة الكافية لإصدار حكم على الحقائق. وحينها جرى تبني مشروع القرار الأميركي، رغم الاعتراضات السوفيتية، وأنشئت لجنة تقصٍّ للحقائق، في حين أفادت اللجنة لاحقا أن ادعاءات لاوس مبالغ فيها، ولم يرسل مجلس الأمن أي قوة تابعة للأمم المتحدة.
3 – الكونغو 1960
في عام 1960، أرسلت الحكومة الكونغولية برقية للأمين العام همرشولد، تطلب فيها مساعدة عسكرية أممية للحماية من قوات المظلات البلجيكية التي أرسلت لحماية المصالح البلجيكية في المستعمرة السابقة. وكانت البلاد في حالة من الفوضى. وطلب الأمين العام عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن، حيث قال إنها “مسألة، في رأيي، قد تهدد السلام والأمن الدوليين”.
وأوصى همرشولد بإرسال قوة تابعة للأمم المتحدة إلى الكونغو، حتى يمكن سحب القوات البلجيكية ولمنع الدول الأخرى من إرسال قوات، وجرى الموافقة، وبالفعل أنشئت قوة الأمم المتحدة في الكونغو وصل عددها في ذروتها إلى 20 ألف جندي للحفاظ على القانون والنظام.
4 – تونس 1961
حين اشتد القتال حول بنزرت في تونس، بين القوات الفرنسية (التي كانت تحتل المدينة) والجنود والمدنيين التونسيين. تحدث همرشولد في اجتماع لمجلس الأمن “تشير الأخبار الواردة إلينا من تونس إلى أن التطور الخطير والمهدد الذي تناوله المجلس للنظر فيه بالأمس لا يزال مستمرا، مع مخاطر إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالسلم والأمن الدوليين”.
وأضاف أنه وفي ضوء “التزامات الأمين العام بموجب المادة 99″، فإنه يناشد مجلس الأمن توجيه دعوة فورية لوقف إطلاق النار وعودة جميع القوات المسلحة إلى مواقعها الأصلية. واعتمد المجلس قرارا يتضمن هذه الأحكام بأغلبية 10 أصوات ولم يعارضه أي عضو بالمجلس، مع رفض فرنسا المشاركة.
5 – اليمن 1963
في عهد الأمين العام يو ثانت (1962-1971)، بعد عزل إمام اليمن واعتراف الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) حينئذٍ بالنظام الجديد، اندلع القتال في البلاد بين اليمن والسعودية فأرسلت الجمهورية العربية المتحدة قوات إلى اليمن.
وأبلغ ثانت مجلس الأمن بمبادراته لضمان عدم “أي تطور في الوضع قد يهدد السلام في المنطقة”، موضحا أن الأطراف اتفقت على تمركز بعثة مراقبين تابعة للأمم المتحدة (UNYOM) وستدفع تكاليفها. تم إنشاء البعثة لمراقبة فض الاشتباك وانسحاب قوات أجنبية، بما في ذلك الإشراف على المنطقة منزوعة السلاح.
وحذر ثانت في اجتماع 11 حزيران 1963، من أن “عملية فك الارتباط قد تتعرض للخطر إذا لم يكن أفراد المراقبة التابعين للأمم المتحدة متواجدين في الموقع”. حينها أصدر مجلس الأمن قرارا بالموافقة على قوة المراقبة، التي قامت بعملياتها حتى 4 أيلول 1964.
6 – الحرب الهندية الباكستانية 1971
أعلنت رابطة عوامي استقلال شرق باكستان في آذار 1971، حيث طلب الرئيس الباكستاني حينها، يحيى خان، من جيشه قمع أنشطة الاستقلال مما أدى إلى إراقة دماء هائلة. حينها أجرى الأمين العام يو ثانت، اتصالات شبه يومية مع الهند وباكستان، لكنه امتنع عن الدعوة لاجتماع مجلس الأمن لأن كلا الجانبين اعتبرا الصراع “مسألة داخلية”.
ورابطة عوامي، حزب بنغالي تأسس سنة 1946 في باكستان الشرقية والتي باتت اليوم بنغلاديش، وكان الدفاع عن حقوق البنغاليين كأمة قومية يجب أن تتقاسم السلطة مع الأردو.
وأرسل ثانت مذكرة سرية لأعضاء مجلس الأمن، “لتحذيرهم من أن الصراع يمكن أن يتوسع بسهولة، مما يؤدي إلى وقوع شبه القارة بأكملها في صراع بين الأشقاء، وأن الأمم المتحدة يجب أن تحاول الآن التخفيف من هذه المأساة”.
المذكرة كانت بمثابة “استدعاء ضمني للمادة 99″، ومع ذلك، فإن مجلس الأمن لم يجتمع في جلسة طارئة حتى بدأت الحرب الهندية الباكستانية، في الثالث من كانون الأول 1971، أي بعد أربعة أشهر من تحذير الأمين العام.
لم يكن مجلس الأمن قادرا على اتخاذ قرار، واقتصرت جهود الأمين العام للأمم المتحدة على الجوانب الإنسانية للمشكلة، بما في ذلك تنظيم المساعدات الدولية للاجئين في الهند.
7 – الأزمة القبرصية 1974
في عهد الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم (1972-1981)، اشتعلت الأزمة القبرصية من جديد عندما أجرى الحرس الوطني القبرصي اليوناني انقلابا في 15 تموز 1974، ضد الرئيس مكاريوس الذي فر من الجزيرة.
وطلب فالدهايم وقتها من رئيس مجلس الأمن عقد اجتماع طارئ لخطورة الأمر فيما يتعلق بالسلام والأمن الدوليين في قبرص، حيث أيد المجلس استمرار جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام وأذن للأمين العام بمحاولة التوسط في النزاع. ومع ذلك، لم يصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار، إلا في 20 تموز وهو يوم الحرب التركية.
8 – لبنان في عامي 1976 و1978
اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 ودامت أكثر من 15 عاما، كما احتلت إسرائيل جنوب لبنان في 15 آذار 1978 (في عملية الليطاني) للهجوم على قواعد فلسطينية،ومنع هجمات تنطلق من الأراضي اللبنانية على أراض فلسطينية تحتلها إسرائيل. وفي كلتا الحالتين، لفت الأمين العام فالدهايم انتباه مجلس الأمن الدولي إلى خطورة الوضع في لبنان.
9 – رهائن السفارة الأميركية في طهران 1979
حين سيطر طلاب ثوريون على مبنى السفارة الأميركية لدى طهران في 4 تشرين الثاني 1979، بدعم من الحكومة الإيرانية الجديدة. حيث دعا رئيس مجلس الأمن بعد 5 أيام من الحدث، إلى إطلاق سراح الرهائن.
وفي 25 تشرين الثاني، كتب الأمين العام فالدهايم وقتها إلى رئيس مجلس الأمن، للفت الانتباه إلى الأزمة المستمرة، وطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن، قائلا إن رأيه هو أن الأزمة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
واجتمع مجلس الأمن بعد يومين، حيث دعا فالدهايم الولايات المتحدة وإيران إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وصدر قرارا في 4 كانون الأول، دعا مجلس الأمن فيه إلى إطلاق سراح الرهائن، واستعادة الحصانات الدبلوماسية، والإذن للأمين العام للأمم المتحدة “باتخاذ جميع التدابير المناسبة” لتنفيذ القرار. فيما سافر فالدهايم في 31 كانون الأول 1979 إلى طهران، ولكن رُفض اقتراحه المكون من أربع نقاط وعاد بـ “لا شيء”.
وكانت المادة 99 في هذه الحالة مجرد وسيلة لمخاطبة مجلس الأمن بشأن أزمة كانت في دائرة الضوء بالفعل ولكن المجلس لم يتناولها رسميا بعد.
10 – حرب العراق وإيران 1980
واجه فالدهايم من منتصف أيار إلى منتصف أيلول 1980، اتهامات من إيران والعراق بالتزامن مع تدهور الوضع بين البلدين. في حين غزا العراق في 22 أيلول إيران لتبدأ حرب بين البلدين استمرت حتى عام 1988.
وفي 22 و23 أيلول 1980، طلب فالدهايم من الطرفين ضبط النفس والتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، مشيرا في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن أرسلها في 25 أيلول إلى أن القتال اشتد والوضع يهدد بلا شك السلام والأمن الدوليين. واقترح الأمين العام إجراء مشاورات في مجلس الأمن، كما طلبت المكسيك والنرويج عقد اجتماع رسمي للمجلس.
وفي الاجتماع، الذي عُقد في 26 أيلول لخّص الأمين العام التطورات، ثم اعتمد مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار، وحث الأطراف على قبول الوساطة أو المصالحة.
11 – لبنان 1989
في عهد الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كوييار (1982-1991)، تصاعد القتال في لبنان، خاصة في بيروت وما حولها، وبرزت مؤشرات على خطر تدخل أطراف خارجية، حيث أشار كوييار في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، إلى أن العنف في بيروت وما حولها “تصاعد إلى مستوى غير مسبوق خلال 14 عاما من الصراع”.
وأعرب الأمين العام عن اعتقاده بأن “وقف إطلاق النار الفعّال أمر حتمي”، حيث قال: “في رأيي، تشكل الأزمة الحالية تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين. وعليه وفي إطار ممارسة مسؤوليتي بموجب ميثاق الأمم المتحدة، أطلب عقد مجلس الأمن على وجه السرعة”.
13 – خطر انهيار النظام الإنساني في غزة
وأكد غوتيريش في خطابه “عدم وجود مكان آمن في غزة”، وعدم وجود حماية فعالة للمدنيين. وتحدث عن انهيار نظام الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك.
وأشار غوتيريش إلى قرار مجلس الأمن رقم 2712 الذي يدعو إلى توسيع نطاق توصيل الإمدادات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين وخاصة الأطفال. وقال إن الظروف الراهنة تجعل القيام بالعمليات الإنسانية ذات المغزى، أمرا مستحيلا.
وحذر الأمين العام في خطابه من الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني، وقال إن الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة بعواقب قد لا يمكن عكسها على جميع الفلسطينيين وعلى السلم والأمن في المنطقة.
وشدد على ضرورة تجنب مثل هذه النتيجة بكل السبل الممكنة. وقال إن على المجتمع الدولي مسؤولية استخدام نفوذه لمنع حدوث مزيد من التصعيد ولإنهاء الأزمة.
وحث أعضاء مجلس الأمن الدولي على الضغط لتجنب وقوع كارثة إنسانية. وجدد مناشدته لإعلان الوقف الإنساني لإطلاق النار، مشددا على إلحاح ذلك الأمر.