القطاع غير الرسمي والأدوار التنظيمية للحكومة

سامح المحاريق

القطاع غير الرسمي أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي، جميعها تعبيرات على الرغم من وجود اختلافات تقنية بينها، إلا أنها يمكن أنها تشترك في موقعها خارج القطاع العام والقطاع الخاص المرخص والمراقب من الحكومة، وعلى الرغم من تزايد الاهتمام بالقطاع غير الرسمي والحديث عن ضرورة تنظيمه، إلا أن الأدبيات التي عالجته وتحدثت عنه، وحاولت توصيفه بقيت غير قادرة على تقديم إحاطة معقولة بحجمه وآليات عمله ومشكلاته والفرص الكامنة داخله.

هو قطاع ينظر له الكثيرون بوصفه فرصة كبيرة يجب توظيفها بالشكل الصحيح، ولا سيما أن الدراسات العلمية تؤكد وجود علاقة عكسية بين حجم القطاع غير الرسمي ومستوى التقدم الاقتصادي في أي دولة، وفي المقابل، فإن آخرين ينظرون له كقنبلة موقوتة تحمل آثاراً اجتماعية وسياسية عميقة، ومنهم المفكر الاقتصادي البيروفي هيرناندو دي سوتو.

القطاعات غير الرسمية في المنطقة العربية، والأردن ليس استثناء، لديها مواصفاتها الخاصة لأنها نشأت ضمن عملية حراك اجتماعي متواصل، كما وعبرت مرحلة تسخين وتبريد سريعة أدت إلى تشوهات كثيرة، فالدولة غادرت منظومة الرعوية وتوجهت إلى الخصخصة وتخفيض حجم القطاع العام ومسؤولياته، وفي الوقت نفسه، دخلت في مرحلة نفور من التساهل التنظيمي الذي يمكن القطاع غير الرسمي من تسوية أوراقه والاندماج الصحي في القطاع الرسمي، وفي الأردن، ومع شيوع سياسة «سكن تسلم»، والإشكاليات التي أصابت القطاع العام ودوره التنظيمي بما أخذ يستدعي ضرورة?الخوض في عملية إصلاح هيكلي للقطاع، تواصل القطاع غير الرسمي في ترحيل وتركيم مشكلاته، واختلاق مشكلات جديدة.

توابع مرحلة وباء كورونا وأثرها على القطاع غير الرسمي من المشكلات المستحدثة، لأنها كشفت عن ضرورة توظيف الضمان الاجتماعي ليقدم حلولاً تجسيرية لمشكلة الحماية الاجتماعية لكثير من العاملين بصورة غير رسمية، وبذلك أصبح عملية التنظيم تقوم على مبررين أساسيين، الأول، زيادة العوائد الحكومية وتعزيز الرقابة على الأنشطة غير الرسمية، والثاني، توفير الحماية للعاملين فيها.

يشتمل تاريخ القطاع غير الرسمي على فصول متعددة، ومع تزايد نسبة البطالة يتوسع القطاع ويتداخل فيه فاعلون جدد مثل التجارة الإلكترونية، ويبدو أن الحكومة وأذرعها المختلفة تقف وسط تنازع الأطراف الفاعلة بأدوات محدودة، وتفضل أن تتخذ مواقف تحاول من خلالها البقاء قريبة من القطاع من غير أن تعمل على حل مشكلاته ودفعه إلى التنظيم ضمن الشروط الحالية التي تعرف الحكومة أنها غير مناسبة ومتشددة إلى حد كبير، والسبب الرئيسي يكمن في قدرة القطاع على استيعاب المتعطلين عن العمل ولو بصورة جزئية ومؤقتة.

ألزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها، هذه شطرة شعر للمتنبي توصف وضعية الحكومات الأردنية بعد التراجع عن أدوات ضرورية مثل القوانين المؤقتة التي تتناسب مع فترات الإصلاح وإعادة الهيكلة، وبقيت أي اجراءات مرتقبة تخضع لضرورة الدخول في عملية مطولة من التشريع الذي يتصدى له في حالات مختلفة فئات من غير أصحاب الاختصاص، وممثلي فئات معينة من غير مرجعية سياسية برامجية ترى التضحيات القريبة وتتحمل تكلفتها من أجل المكتسبات المستدامة.

العاملون في التنمية، ممن يحملون الفكر الذي يتأتى من الوقوف على العمل الميداني واستيعاب التجارب الأخرى، يبقون آخر من يستطيع التأثير الفعلي على هذه المشكلات، وجميع محاولاتهم تبقى تقديم نماذج متباينة من أجل إحداث قناعة للتغيير ورهانات مفتوحة على الإنسان الأردني الذي لم تمكنه الحكومة من تحقيق استقلاليته بالصورة المناسبة، ومع الحديث عن تنظيم القطاع غير الرسمي تظهر المفارقة الكلاسيكية بخصوص أي عملية تغيير أو تحديث في الأردن، حيث تسود الافتراضات بوجود تطابق في الرؤى وتلازم في المصالح تدفع العامل في القطاع غير الر?مي للاندماج على الرغم من ضرورة استغراقه في عملية معقدة ومكلفة من أجل الحصول على مزايا لا يفهمها ولا يجد نفسه معنياً بها، مثلما هي الحال أيضاً مع المستثمر الكبير الذي يأتي من الخارج ونفترض أنه يمتلك النفس الطويل والقناعة المتجذرة بضرورة المشاركة في برامجية الحكومة وأولوياتها مع أن هدفه المعلن والمنطقي والمشروع هو تحقيق الربح بصورة مستقرة.

لا يمكن لأي حكومة تتحدث عن السوق الحر وتسعى لتوظيفه من أجل خدمة أهدافها أن تبقى متمسكة بأدوار تنظيمية مفرطة وتتخلى عن المراجعة الضرورية لقوانين وأنظمة وتعليمات أنتجت في مرحلة الدولة الريعية وكانت مبررة بما تقدمه الدولة من مسؤوليات تجاه المواطنين والمجتمع.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات