سامح المحاريق
الرسالة التي لا توجه إلى طرف معين هي رسالة موجهة للجميع، والأردن غير معني بأية تفاصيل أو مبررات على الجهة الأخرى من حدوده الشمالية، ولا يتهم أي طرف، المسألة أكثر بساطة من ذلك، الحدود خط أحمر، وإذا كانت الأطراف على الجهة الأخرى تتعامل مع واقع ميداني يجعلها تتعامل مع تصنيع وتهريب المخدرات سواء كان ذلك، بتحالف صريح أو مؤقت، أو التجاهل من أجل التركيز على أهداف سياسية، أو التوظيف لمصلحة أو أخرى، فالأردن سيتخذ ردود الفعل المناسبة، عمياء مثل العدالة وصارمة مثل الضرورة.
تحدث وزير الخارجية الأردني مع نظيره الإيراني حول مشكلة تهريب المخدرات والخطوات التي ستتخذها المملكة لمنع استمرار تهديد الأمن الأردني الوطني بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين أينما وجدوا، ومن غير استخدام الاجتزاء لصناعة خبر مثير، فالأردن لا يهدد وبكل وضوح هذه الميليشيات والجهات الداعمة لها والمتحالفة معها، وهو بذلك يبرئ ذمته مقدماً من أي أضرار جانبية ربما تكون عنيفة قد تلحق بهذه الميليشيات.
الاحتمالات على النحو التالي: قوى إقليمية بعينها تقف وراء ذلك. حتى لو كان ذلك وارداً، فالأردن غير معني بمواجهة مع أحد إلا إذا تعلق الأمر بأمنه، واللعبة سياسية، حتى لو استخدمت أي دولة أو جهة سلاح المخدرات للضغط على الأردن لا تستطيع أن تعترف بذلك، والأردن الرسمي الذي يتعامل مع هذه الدول والقوى الإقليمية وممثليها الرسميين، يعرف أن الأمر ليس على هذه الشاكلة على أية حال، وأن الحالة تعكس تفاعل خلطة معقدة من الفراغ والفوضى في الجنوب السوري، وإن كانت بعض القوى الإقليمية تعد دولاً كبيرة ونظامها السياسي مصمم على تعدد?الأجنحة الذي يمكن أن يتحول تنافسها إلى تضارب، والأردن غير معني أيضاً بهذه التفاصيل.
الاحتمال الثاني أن تكون هذه القوى ليست طرفاً مباشراً ولا تستطيع أن تفعل دوراً ايجابياً في مواجهة عصابات التهريب لأنها تخشى على سلامة الأطراف الموالية لها والمتحالفة معها، وعلى ذلك، فالأردن يطلب ضمنياً من هذه القوى أن تمنحه الهوامش المناسبة لبقاء هذه الأطراف بعيدة عن الحرب المرشحة للتصاعد على الجبهة الشمالية.
الاحتمال الأخير، وجود جناح معين داخل هذه القوى يدعم هذه العصابات، والأردن بالتصعيد الأخير يضع هذه القوى ومرجعياتها العليا أمام واجباتها، وينبه إلى أن الوضع الذي يعتبر ورقة لديها يرتقي إلى أن يصبح تحدياً لا تهاون فيه لدى الأردن، ووفقاً لنظريات الصراع، الذي لا يعني بالضرورة الصدام، فهذه القوىأمامها مختلف استراتيجيات إدارة الصراع، من المجاملة إلى التجنب إلى التعاون إلى التنافس أو الصدام، أما الأردن فخياره وحيد، وهو الصدام، وواقعياً وأمام خارطة المنطقة الراهنة قد تميل هذه القوى إلى التجنب، وهذه الغاية التي يمك? للأردن أن يقبلها، وإن كان يتطلع للتعاون، ولكنه لا يضمنه ويعرف أنه ربما يكون متعذراً في ظل طبيعة الحسابات المتعددة لهذه القوى.
الساعات الساخنة التي شهدتها الحدود الأردنية – السورية صباح الإثنين الثامن عشر من الشهر الجاري، دشنت مرحلة جديدة من التعامل، فالعصابات الإجرامية تقدمت مندفعة لتستغل فرصة إعادة تمركز قطاعات واسعة من الجيش الأردني على الحدود مع (إسرائيل)، وقدرت وجود فرصة لتمرير كميات كبيرة من المخدرات، أو، وهذه أو الخطرة والمربكة، أن تكون هذه القوى الإقليمية قررت أن ترد على الأردن عملياً من خلال بالون اختبار أو فعل استفزازي أو خطوة محرجة، وهو ما يمكن أن يشكل خروجاً عن قواعد اللا-اشتباك الأردنية مع الآخر أياً كان – المتواصلة?منذ عقود من الزمن.
تبقى احتمالية الاستراتيجية السياسية المتمثلة في صناعة المشكلة من أجل العمل على تقديم الحلول، وحتى ذلك مستبعد، فهذه القوى تعرف بشكل واضح أن الأردن ليس مستعداً للعبة (من أين أذنك يا جحا) التي عادةً ما تكون أحد علامات الدول متعددة الأجنحة.
آخر زاوية ممكنة للرؤية تتعلق بوجود معلومات استخبارية جعلت الأردن يقدر أن إعادة التمركز للجيش الأردني ستؤدي إلى مغامرة، وأنها ستدفعه إلى رد عنيف، وأنه لا يريد أن يتشعب في الهوامش وبذلك يمنح فرصة لهذه الميليشيات ومن يدعمها في سوريا ومن القوى الإقليمية لأخذ المواقع المناسبة من عمليته وبحيث لا تحدث فروقات الاحتساب معادلات مختلة طويلة المدى.
لنعد إلى البداية، وللحديث في الواضح والمرئي والملموس، فالأردن ليس معنياً بما يحدث في دمشق أو غيرها، وهو لا يتدخل في شؤون العواصم الأخرى، ولا يسمح بالمقابل أن تعتبر حدوده أو أراضيه ساحةً لأي طرف آخر، ولو كان الأردن يمكن أن يقبل ذلك، لتغيرت خارطة الصراع في بعض المراحل، فالأردن تعامل بمسؤولية مع أزمات الجنوب السوري طول الوقت، ويعفي نفسه، بحديثه للجميع، من أي نتائج لإجراءات يتخذها في إطار حمايته لأمنه الوطني، والعملية الأخيرة ووضع الأوراق الأردنية على المستوى العملياتي بهذه الصورة المكثفة والواضحة تؤكد على الن?ة الكاملة للاضطلاع بهذه المسؤولية وبغض النظر عن التكلفة نظراً لحساسة المرحلة ووجود تهديدات تتربص بالأردن على أكثر من صعيد.