بهدف الاقتلاع لا التحييد.. الجيش يواصل حربه على المخدرات

سامح المحاريق
تراجع أخبار الحرب في السودان مع تتابع الفصول المأساوية للحرب الوحشية على غزة، لا يعني أن الحرب انتهت، على العكس من ذلك، تصاعدت الاشتباكات بين الأطراف المتنازعة، وارتكبت في الآونة الأخيرة جملة من أبشع جرائم الحرب التي استغلت تعلق الأنظار بمحطة أخرى، والأمر نفسه يمكن قياسه في الحرب الأردنية على المخدرات التي تعود إلى الواجهة مع ضربات جديدة لتلفت الانتباه إلى وجودها.

الحرب على غزة كانت عاملاً استغلته جميع العصابات الإجرامية في تمرير أجنداتها الخاصة، ورأت فيها فرصة كبيرة لاستغلال حالة التأهب التي رافقتها، وعصابات المخدرات نشأت في الفوضى، ونمت سرطانياً داخلها، وللفوضى تدين بالكثير، ويبدو أن رائحة فوضى قريبة أو وشيكة جعلتها تحاول أن تكسب مواقعاً تسهم في مزيد من النمو لتجارتها القذرة.

عصابات المخدرات مجرد كيانات إجرامية يمكن وصفها بالنبتة الحرام لتراجع الدولة وانفتاح الحيز المكاني لسلطة القوة على الأرض لا الشرعية ولا القانون، وهذا الواقع المؤسف يبدو أنه استحكم في جنوب سوريا، ومع تكاثر الفاعلين وتداخل وتضارب وتقاطع مصالحهم نتيجة للفوضى القائمة، وجد الأردن نفسه طرفاً في حرب غير تقليدية، فالطرف الآخر ليست لديه أجندة سياسية بالمعنى المتعارف عليه ليتم حواره على أرضية الوقائع والحقائق، ولكنه يتحرك بشهوة الربح وشراهة التمدد لمزيد من الربح.

لا تتشكل عصابات المخدرات من خبراء في التاريخ أو السياسة، ولذلك لا يدركون أن حربهم ضد الأردن خاسرة من حيث المبدأ، لأن الأردن عبر قرون من الفوضى التي ضربت بمحيطه، وفي مرحلة كان يكفي تغيير نظام الحكم إلى تحرك سرية صغيرة من الجيش للسيطرة على محطة الإذاعة، كان الأردن يبني أهم منجزاته وأصوله الوطنية، ويقوم برفد العديد من الدول العربية بالطاقات البشرية التي أسهمت في بناء المراحل التأسيسية للنهضة المحلية في أكثر من بلد.

عدم قدرة هذه العصابات الإجرامية على فهم هذه الحقائق وهضمها، يجعلها تتخذ سلوك الذباب العنيد الذي لا يدرك أنه لا يمكن أن ينتصر في النهاية، ومع ذلك يشكل صداعاً هائلاً، وللأسف، فإن الأردن يتخذ موقفاً حرجاً وهو يقاتل الصداع المزمن على حدوده الشمالية، وهو يدرك أنها سرطان يضرب سوريا البلد العربي الشقيق.

لا يمكن للأردن أن يتهاون في هذه الحرب، فالأردن بلد يشكل الشباب قوامه الأساسي، والأردن هو البلد الأكثر شباباً بين الدول الواعدة في العالم سواء في الشريحة الأعلى من الدول متوسطة الدخل، أوالدول التي لم تشهد انهياراً صحياً أو حرباً أهليةً خلال العقود الأخيرة، بمعنى آخر، يعتبر الأردن أكثر دولة شابة في العالم تمتلك فرصاً لتحقيق مكتسبات قائمة على توفر العنصر الشاب، وبذلك يمكن تفسير حالة الإصرار الأردنية إلى دفع تهديد المخدرات بعيداً عن حدوده.

تعرف الكثير من الدول العربية أن المخدرات التي تدخل الأردن لا تستهدفه وحده، فالكميات التي تحاول أن تجد أرضاً لجولة ثانية من الاستهداف لأسواق أخرى تفوق ما يمكن تسويقه في الأردن، نظراً لوجود جهود أمنية تقف بجوار الأعمال العسكرية، وأن الحرب المعقدة في جوانب سياسية وعملياتية، نظراً لوجود كثافة سكانية يجب تحييدها داخل الأراضي السورية، تعتبر حرباً مكلفة على جميع المستويات، ومع ذلك، يبدو التحرك تجاه تحالف حقيقي في مواجهة هذه الآفة دون المأمول، ويبدو تفهم إشكالية المخدرات واستهدافها للبنى الاجتماعية والاقتصادية في المدى المتوسط والبعيد قاصراً ولا يرى أبعد من الخريطة الساخنة للظاهرة بوصفها عملاً إجرامياً اعتيادياً يمكن للجيش الأردني أن يبقيه بعيداً، ولكن المطلوب يتجاوز عملية الاقتلاع الجزئي أو الكلي، فالأردن يتحدث عن منطقة كاملة ومصالح عابرة للأجيال، وفي تطلعاته أن يتم تجنب تحويل هذه المنطقة في الجنوب السوري إلى أفغانستان جديدة، فالأردن ليس من مصلحته العليا وبعيدة المدى أن تنتهي جهوده إلى التصدير إلى العراق وعن طريقه، أو الانكفاء إلى الداخل السوري، فهدفه أن يعيش في منطقة طبيعية وقابلة لتحقيق حياة كريمة للجميع، لا أن يعيش وسط الفوضى واحتمالاتها المتجددة.

يواصل الجيش العربي حربه الطويلة ضد المخدرات على الرغم من الظروف الصعبة للقتال في الشتاء الذي تستغل عصابات التهريب طبيعته من أجل الإفلات ببعض الشحنات، ويبقيه ذلك في حالة تأهب مستمرة، ويحمل جنوده ضغطاً إضافياً، فالمعارك تنشب بصورة مفاجئة، والمحاذير الميدانية كثيرة، وتجار المخدرات لا يعرفون النوم مبكراً، ويعيشون حالة تربص وقحة وسافرة، ووراء الجيش العربي تعمل الأجهزة الأمنية والمؤسسات من أجل أن توفر صفاً داخلياً متماسكاً يجنب المواطنين الأردنيين العيش في حالة الحرب، والتفكير من منطق الحرب، على الرغم من أنها حرب تتجاوز فيما تحدثه من إرهاق وتطلبه من عمل، الحروب التقليدية ضد الأهداف الواضحة والثابتة.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات