سامح المحاريق
أثارت الخطوات المتسارعة لتشغيل المستشفى الميداني في مدينة نابلس الفلسطينية كثيراً من الشائعات، وولدت العديد من المخاوف بين أهالي الضفة الغربية، وكان موقع الجزيرة الإخباري نشر تقريراً عنوانه: «خيفة وحذر.. لماذا أثيرت الإشاعات حول المستشفى الميداني الأردني بنابلس؟»، استعرض فيه جانباً من ردود الأفعال التي تعلقت بالتوقيت، وتزامنه مع الحرب على قطاع غزة.
أثناء زيارة شخصية لرام الله، التقيت بعضاً ممن يتابعون أعمال المستشفى أثناء تنقلهم في الضفة الغربية، وكان الحديث إيجابياً حول الإقبال الواسع على خدمات المستشفى في ظل ما يعانيه القطاع الصحي التابع للسلطة في فلسطين من تحديات في التعامل على طلب الخدمات العلاجية، وخاصة صرف الأدوية الضرورية للأمراض المزمنة التي تنخفض مخزوناتها في مستودعات المستشفيات العامة في فلسطين إلى حدود مقلقة في هذه المرحلة.
القطاع الصحي في فلسطين مصمم لاستيعاب جزء من الطلب من خلال شركات التأمين التي تتعامل مع القطاع الخاص بطرفيه، الشركات في مختلف المجالات والأطباء والمستشفيات الخاصة.
النسبة المخدومة من خلال التأمين الخاص تنكمش مع الوقت، كما ويستوعب جزء آخر من خلال العمال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة 1948 بمستوى دخل مرتفع نسبياً يمكنهم تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة، ومعظمهم حالياً منقطعون عن العمل.
لنخرج من الحيز العاطفي، الجميع مكلومون، وبدرجة أو بأخرى، يحملون مشاعراً متناقضةً أحياناً، والهدف ليس الحديث عن دور أردني، ولكنه الحديث عن فكرة وفكرة نقيضة، واستحقاق ربما يكون قريباً.
بقي الأردن، وبعد فك الارتباط، ولمدة سنوات يسعى مع الدول العربية المختلفة لتغطية تكلفة إدارة الضفة الغربية في الفترة بين فك الارتباط واتفاقية أوسلو 1993، وبعد ذلك، تركزت الجهود الأردنية على المساهمة الفعالة والمتواصلة من أجل تدبير النفقات اللازمة لتمكين منظمة الأونروا من أداء أدوارها، وكان ذلك تحت لافتة «دعم صمود الشعب الفلسطيني»، والعنوان الواسع تندرج تحته تفاصيل كثيرة، من أهمها مواجهة درجات مختلفة من التهجير مارستها سلطات الإحتلال الإسرائيلي.
الشعب الفلسطيني صامد في أرضه، هذه مقولة صحيحة، والأبناء والأحفاد لم يتنازلوا عن الحق الأساسي والجوهري لشعب اقتلعته التسويات الدولية الكبرى من أرضه وأقامت محله وكيلاً مفوضاً من قبلها بمارسة التعسف والوحشية والسادية بوصفها من لوازم وجوده.
ليكن الصمود والمزيد من الصمود، ولكن هل يمكن السؤال، عن سبب الأقوال الكثيرة حول ارتفاع تكلفة خروج مئات الأسر الفلسطينية من غزة بعد دفعها مبالغ كبيرة لشركات أو وسطاء لوضعهم في مقدمة طلبات كثيرة تقدم للخروج من القطاع، وهل يمكن أن نسأل عن عدد الذين سيخرجون في حالة الفتح الكامل وغير المشروط لمعبر رفح، لماذا الإصرار على أن الفلسطيني هو مجرد صورة تعويضية لحالات الاحباط والسلبية العربية، ونتناسى أنه إنسان لديه طاقة وقدرة على التحمل، تختلف من شخص إلى آخر، ولكنها تبقى عاملاً قائماً ويجب عدم تغييبه من الاعتبار.
والسؤال، الأكثر أهمية، ما هي الخطوات التي اتبعت من أجل دعم صمود الشعب الفلسطيني؟ الخطوات الحقيقية والعملية، بطبيعة الحال غير تلك التي تسعى لخوض حرب شاملة يمكن أن يذهب ضحيتها آلاف أخرى من أبناء الشعب الفلسطيني، بينما سيكونون في مواقهم نفسها وراء شاشات التلفزيون يأخذون بعض الراحة لبث قصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم أنفسهم، يتحدثون عن الصبر الاستراتيجي، ويبررونه، ويجدون له تخريجات مناسبة.
مرة أخرى، ماذا نفعل من أجل دعم صمود الشعب الفلسطيني؟
نفعل كلنا بمعنى كلنا، هذه مسألة لا يمكن تفويضها، ولنكن صريحين، فالشخص الذي تحملت شركته تكلفة إضرابه قبل فترة، هل تخلى عن مثل أجر يوم من أجل أن يرسله لفلسطين بأي طريقة كانت؟ ولو كان قليلاً، خمسة دنانير، هل يمكن تجميعها وإرسالها لأسر في فلسطين، ومن لا يعرف بصورة شخصية أسرة في فلسطين، ولتكن هذه الأسرة في وضع اقتصادي معقول، ولكن هل نعلم أن الرواتب في الضفة غير منتظمة، وأن عمال المياومة يقبعون في منازلهم.
على من لا يمتلك طريقة أو فكرة لمبادرة دعم الصمود سوى الحديث والتنظير وتوزيع أوسمة الوطنية أو اتهامات التفريط، ألا ينظر في الحديث عن الصمود وكأن الفلسطيني يعيش بالتمثيل الضوئي، وأنه لا خلق من غير قنوات دمعية.
لا يمكن لأحد أن يتذرع بشكوكه في قنوات الدعم، ولا في ضآلة ما يتيسر له، ولا في جهله لطرق الدعم الكثيرة والمتنوعة، حتى بشراء منتجات فلسطينية وتفضيلها على غيرها، وأعتقد أن نقابة الصيادلة يمكن أن تساعدنا من خلال توفيرها ما يشبه بنك الملابس الذي نرى تواجده في بعض المولات التجارية بأن توزع صناديق لنضع فيها أدوية لفلسطين ولصمود الشعب الفلسطيني.