سامح المحاريق
تكاثرت الأحاديث حول مصير قطاع غزة بعد حركة حماس، على أساس أن الحرب لن تنتهي إلا بالقضاء على حماس، وهو الهدف الذي يظهر صعباً وبعيداً، فهل لن تنتهي هذه الحرب الوحشية على قطاع غزة؟
حركة حماس ليست تنظيماً رسمياً، لا أحد في الحركة يمكنه أن يوزع رتبة عقيد أو عميد، وبالتالي، فلا يوجد أحد يمكنه أن يعلن الاستسلام، ويمكن لأي شخص أن يعلن في أي وقت أنه يتابع مشروع حماس، ولكن توجد فرصة لقوة (ما) أن تدخل القطاع وأن تحول دون تمكين حماس والمقاومة من ممارسة أي عمل ضد (إسرائيل).
في الأردن رفضنا التعاطي مع هذه الطروحات، وكان حديث الدولة الأردنية يؤكد على أن السابع عشر من تشرين أول الماضي ليس اليوم الأول للصراع، وأن أحداثه ليست فعلاً منفصلاً عن مقدمات بقيت تتراكم لعقود من الزمن، وأنه لا يمكن لأحد أن يختزل الصراع في المرحلة الجارية، ومع ذلك، فربما نحن بحاجة لأن نبحث في اليوم الأول بعد إسرائيل، وعلى الأقل، النسخة الجارية من إسرائيل، والتي يبدو أنه لا يمكن العودة للعمل معها وفقاً لأية معادلات أو حسابات سابقة.
ستخرج إسرائيل من الحرب بلداً منبوذاً، حققت أهدافها أو بعضاً منها، فهي ليست الدولة التي يمكن أن تعود من جديد للحديث عن مستقبل السلام، وبجانب ذلك، فإسرائيل ستكون بلداً مختطفاً، جماعة إرهابية تنتهج سلوك القطيع العشوائي الذي يشكل تهديداً دائماً لجيرانه.
إسرائيل التي ستخرج من الحرب ستكون بلداً خطراً، وآيلاً للسقوط، وما يهم الأردن تحديداً، هو أن تسقط إسرائيل رأسياً، لا أن تسقط أفقياً، ولا أن تعتبر سقوطها أمراً يمكن تصديره للأردن.
إلى اليوم، تتواجد داخل إسرائيل قوى تمتلك قراءة مختلفة للأردن وتحاول أن تحافظ على خطوط محددة من الاشتباك معه، وهذه القوى ضغطت وما زالت من أجل تجنب التحرش بعمليات الإنزال الجوي الأردنية في قطاع غزة، والأردن يحاول توظيف هذه القوى لمصلحة الفلسطينيين في غزة والضفة، ولكنه لا يستطيع أن يتعامل مع أي طرف داخل إسرائيل على أرضية الشراكة، فهذه مسألة غير واردة، ولا توجد أي فرصة للبحث في أي موضوعات خارج الحدود الدنيا من التواصل من أجل العمل من أجل غزة، وتعزيز صمود الضفة الغربية وتجنب تمدد محاولات التهجير التي يحاول أن يقتنصها اليمين المتطرف في ظل مأزق بقية القوى السياسية في إسرائيل.
الأردن لا يتواصل مع الجانب الإسرائيلي بصورة مباشرة، على الأقل في عمليات تزويد الضفة الغربية بالإمدادات، وعندما بدأت عملية تعزيز المخزون الدوائي في الضفة اصطدم المسؤولون الأردنيون على جسر الملك الحسين بتعنت إسرائيل يمنع دخول مادة البيثادين المسكنة والضرورية في العديد من العمليات والإجراءات العلاجية، وتصلب المسؤولون الأردنيون مع التهديد بالتصعيد من المستوى الميداني إلى السياسي، وفي الدقائق الأخيرة، وعبر شركة وسيطة، أدخلت الشحنة الأردنية كاملة، ولكن ما الذي يخيف (إسرائيل) من البيثادين؟ ولماذا يصرون على الدفع بالوجع الفلسطيني إلى حدوده القصوى؟
تحتاج إسرائيل إلى المزيد من الوقت، ولكنها تدرك أن الحرب يفضل أن تنتهي قبل شهر رمضان القادم، لتجنب تعميق حالة الحقد الدفين وغير الممكن قياسه والذي يتراكم في محيطها العربي على مستوى الشعوب والأجيال الصاعدة، والغضب الدولي الذي يمكن أن تعززه ضغوطات من دول إسلامية كبيرة مثل أندونيسا وتركيا وماليزيا التي تشهد نشاطاً واسعاً للمساجد ودورها الاجتماعي في رمضان.
هذه الأسابيع القادمة ستخلق وضعاً مرتبكاً ومضطرباً وسيحمل ارتدادات داخل «إسرائيل»، وإذا كان الأردن اعتاد العيش بجانب دولة عدوانية فإن عليه أن يؤسس للتعايش مع دولة ذات ميول انتحارية تعتبر أن الخراب جزءاً من مسيرتها التاريخية ودورها في التاريخ، وهذه ميول يجب أن تدفع للسؤال حول اليوم الأول بعد إسرائيل التي نعرفها، بصورة أكثر عنايةً واهتماماً، بالسؤال حول اليوم بعد حماس، وربما على الكثير من الدول والقوى والجماعات حول العالم أن تنتبه لأهمية هذا السؤال وأن تحاول تقديم إجابتها حوله.