سامح المحاريق
نحمد الله أن الحرب على غزة بتفاصيلها وتعقيداتها، وبصمود الشعب الفلسطيني أمام التوحش الإسرائيلي، لم تترك هامشاً واسعاً للمزايدة، وتراجعت أمامها المماحكات السياسية غير المنتجة، وخاصة في ذروة الحرب وأثناء عملية الذبح التي صفعت قناعات المجتمع الدولي وتسوياته الهشة وإدعاءاته الفارغة، فهل يمكن أن تُعتبر عودة المماحكة مؤشراً على وصول الحرب في غزة إلى مرحلة جديدة؟ أم أنها مؤشر على الاعتياد وتطبيع مشاهد الموت والخراب؟
كنا نتمنى أن تبقى ساحتنا الأردنية بعيدة عن التراشق حول غزة، ولم نكن نخفي الارتياح حول هذه الحالة من تأجيل الخلافات والمناكفات، بل وكنا نقدر ونحترم بعض التجنيات التي يطلقها البعض ونراها صادرةً من الألم وناطقةً بغضب نبيل ومطلوب رأيناه طاقة تتفاعل وتحتاج توجيهاً لا أن تقابل بالتشكك أو التخوف.
للأسف، لم نكن نتخيل، وتحت أي ظرف، أن تصبح تبرعات الأردنيين لدعم جهودنا الوطنية لمساندة الأهل في قطاع غزة والضفة الغربية التي نرى الاستدارة نحوها احتمالاً يتصاعد مع الوقت، موضوعاً نتحدث حوله ونراجعه ويصبح مصدراً للجدل الذي نحن في كل الغنى عنه.
من يمكن أن يتحدث عن وجود اسم لحزب ما في التبرعات الأردنية، هل يفترض أن تمتلك الأحزاب أموالاً؟ وهل يمكن لحزب أن يعتبر تبرعات أعضائه أو مناصريه عائدة للحزب ومكسباً سياسياً يضاف لرصيده؟
وهل يعني ذلك أن أعضاء أحزاب أخرى ليسوا بنفس منسوب الانتماء القومي والعقائدي مع أنهم تبرعوا خارج أحزابهم في مسألة وطنية وقومية وإنسانية لا يجب أن تخضع للحسابات السياسية، ولنقلها صراحةً، إذا كانت أي جهة تبحث عن رسملة التبرعات في صورة أصوات للناخبين، فليس لنا إلا أن نستذكر الحديث الشريف: لكل امرئ ما نوى.
والسؤال الأهم، لماذا يوضع الأمر للنقاش؟
ومن الذي يدفع بالأردن إلى التورط في التعريفات والمفاهيم، ومن يريد أن يخلق حالة من التشتيت للمؤسسات في الأردن، فالجدل القائم بين الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية وحزب جبهة العمل الإسلامي كان يفضل أن يوجه في صورة جهود ليعمل كل طرف في مجاله.
عادةً ما يعتبر الحزب نفسه الأقرب إلى التجارب الإسلامية في الحكم، ونتذكر العرض الذي تقدم به للوساطة بين الأردن ومصر في موضوع تأمين الغاز بما يدلل على عدم فهم للسياقات، ويأتي الحزب اليوم ليصور نفسه الأقرب للمقاومة، وهو الأمر غير الصحيح، فـ”المقاومة» في حماس حالة فلسطينية وطنية، و”الحركة» تؤكد في خطابها وسياساتها على هذه الأولوية، و”المقاومة» في اختلاف صورها وتجلياتها وإعلامها وشعاراتها ليست حكراً على أحد.
مرة أخرى؛ نتمنى أن يكون الجدل مجرد سوء فهم متبادل وجدلاً استغله البعض وليس تحولاً في مواقف وإعادة احتساب، فالوقت فعلاً (مش وقته) ومن يعتقد أننا وحدة الصف ليست الأولوية يعتبر الصراع مجرد مراحل منفصلة وليس صراعاً متصلاً ومعقداً وهو الأمر الذي دفع بالأردن ليتحدى التعريفات الدولية ويرفض إدانة المقاومة.
من يعتقد أن الحرب تقترب من نهايتها عليه أن يتذكر أن الصراع ممتد منذ أكثر من قرن، وكل أحداثه من حرب وسلام وما بينهما ليست سوى تعبيرات عن مبدأ الصراع الذي لن ينتهي إلا بسلام حقيقي وعادل، وهو ما جعلته حرب غزة أبعد كثيراً مما يتخيل أي أحد.