سامح المحاريق
مستوى اللاعب الأردني لم يشهد تطوراً هائلاً خلال أسابيع، ولا المدير الفني تمكن من وضع خطة سيقتبسها عنه الآخرون، ومع دخول المنتخب الوطني الأردني إلى المربع الذهبي في آسيا، فإنه يجب اعتبار العامل الأساسي الروح الإيجابية ووجود قناعة لدى اللاعبين بأنهم قادرون على الفوز ويستحقون التواجد بين الكبار.
النقد الكروي له ناسه ومتخصصوه، ولكن الحالة تتطلب نظرة في السياق الاجتماعي لحالة الفوز في بطولة مهمة، والتساؤل عن تغيبها في مواقع وفضاءات أخرى كثيرة، وحالة عامة من الاكتئاب تسود الأردن من غير سبب واضح سوى تقادم الخطاب المكرس إعلامياً، وفشله في تقديم واقع جديد للأردن وتعريفاً مختلفاً عن ذلك الذي جعل الأردن صاحب وظيفة محددة وإطاراً ضيقاً للوجود، والحديث هنا عن تصور عربي أن الأردن عليه أن يتحمل بالوكالة الاحتكاك المستمر مع إسرائيل، بما جعله داخل (اللا- وعي الجمعي الأردني والعربي) جبهة مرشحة في أي وقت لانطلاق التحرير، وبما يعني تفكيكاً للأردن لدمجه في كيان عربي أو في هلال خصيب (هذه التصورات تشبه في مسيرة الدول والشعوب الأفكار التي ترافق الأطفال حول الآباء).
كان الجميع يعيش هذه التصورات، ولأن الأردن موجود فيمكن لشعوب عربية كثيرة أن تنصرف لحياتها، أن تفرح وتغضب لأمور بسيطة، أما الأردني فعليه أن يكون متيقظاً ومتأهباً ومستعداً، لأي شيء؟ لبضاعة غير واضحة من الأحلام والأمنيات.
الأردن (صاحب الكشرة) تحول إلى علامة مسجلة، وصدق الأردنيون ذلك، وأصبحوا يتنافسون في التمسك بملامح (الوهرة)، ومقابل حالة القلق التي ألصقت بالأردن من أجل رفع العبء النفسي عن شعوب عربية كثيرة.
تلقى الأردن دعماً واسعاً أسهم في تحقيق نهضة مشهودة في الستينيات والسبعينيات، ومع الاعتياد على هذه العلاقة غير السليمة في منطلقاتها تأسست في الأردن أنماط حياة يمكن وصفها بالضارة على المستوى الجمعي أدت إلى كارثة اقتصادية في نهاية الثمانينيات.
كانت زيارة الرئيس القذافي سنة ٢٠٠٠ لحظة إفاقة أردنية، مع أن كثيرين لم يلتفتوا لها، فالقذافي بدلاً من التطوع ليمنح الأردن ما يلزمه من أجل مشاريع المياه خاصة بعد وصول مشروع النهر العظيم لنهايته، أخذ يعطي وعوداً غير واضحة، ويدخل في حوارات غير منتجة.
تصاعدت نبرة الاعتماد على الذات، ففي دول الخليج العربي جيل جديد من القيادات تشكل وعيه على كارثة غزو الكويت، واهتمامه بالعمل العربي في حدوده الدنيا، وأمام طرح مرحلة ما بعد النفط أصبح الحديث عن استثمارات لا مساعدات.
العقلية الجمعية لا تتغير بنفس السرعة التي تحدث مع الأفراد، كما ويمكن أن تعيش حالة من الإنكار، ولذلك بقيت وصاية الجيل الذي عايش ما قبل حرب الخليج تفرض سطوتها ورؤيتها وتقاليدها، وكان فشل «الليبراليون» الذين ركزوا على حركة المال والربح السريع والإنجاز الشكلي وتجاهلوا التغيير المجتمعي وقيادة الوعي، باعثاً على مزيد من التوتر والقلق، وكما تشبه الدولة الفرد فإنه صراعها النفسي الداخلي لم يكن يعني أحداً، ولا أحد بمعنى لا أحد لديه الوقت لأن يتوقف بجانب الأردن ويؤسس للشراكة التي تعني بهندسة المجتمع، ببساطة الحسابات أصبحت أوضح وأخذت ترتبط بمؤشرات وأرقام، تكلفة وعائداً.
بالعودة إلى الدوحة، مجموعة من الشباب الأردني الذين ولدوا بعد سنة التسعين يتصرفون بثقة خارج الأحمال النفسية، لم يشغلوا أنفسهم القصص القديمة، ثقافتهم تعتمد الفيديوهات القصيرة، لياقتهم البدنية تتطلب أن يخففوا من جلساتهم مع الأجيال السابقة حيث الطعام الدهني ودخان السجائر (الأردنيون بين أكثر شعوب العالم تدخيناً)، ولذلك كانوا متحررين وواثقين ويقدمون قدراً كبيراً من الندية، وهذه الروح المتحررة من أعباء مجتمع الريع والتحاصص وأسانسير المسؤولين في حلقة التدوير، هي الروح التي يمكن أن تطلق الأردن من جديد، كيف؟ هذا سؤال لوزراء التعليم والثقافة وللإعلام كذلك.