التعليم.. المشكلة أبعد من المناهج

سامح المحاريق

لم يكن حديث وزير التربية والتعليم دكتور عوني محافظة في ندوة بجمعية الشؤون الدولية حول وجود طلاب بالصف العاشر في مدارس البلاد لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، ويمكن أن نضيف له، حديثاً واسعاً يتردد حول ضعف مخرجات التعليم الجامعي مع وجود طلبة تخرجوا من قسم اللغة العربية يقعون في أخطاء لغوية واضحة، وغيرهم تخرجوا بعد دراسة الاقتصاد ولا يمكنهم أن يشرحوا مفهوم التضخم بصورة واضحة ومتماسكة.

بدايةً، الواضح أن الوزير يحكم وفقاً لمستواه الرفيع في التحصيل العلمي، وربما الصياغة الأكثر واقعية وتعبيراً عن الحالة التي تحدث عنها تتمثل في أن كثيراً من الطلبة لا يتقنون القراءة والكتابة بدرجات متفاوتة، وجميعها غير متناسبة مع الصفوف التي وصلوها، وكانت مسيرتهم خلالها تعبيراً عن تحصيل الحاصل، لا نتيجةً للاجتهاد أو مواكبة المتطلبات الخاصة بعملية التعلم.

ومع ذلك، فلمزيد من التشخيص الذي يسهم في الوقوف على المشكلة، من المطلوب أن نتعرف على التوزيع الجغرافي والديمغرافي لهذه الظاهرة المقلقة، وأن نعمل على بحثها في ضوء مستوى الدخل والظروف الاجتماعية الأخرى، وعلاقتها بتوزيع الموارد المتاحة للوزارة للوقوف على أي تمركز يخص الظاهرة، وأن نستمع، وهذا الأهم، للطلبة الذين يقصدهم الوزير، ووقتها سنكتشف الكثير.

قبل أن نمضي في ذلك، وأن نسلك الطريق الصعب، فإن ما يمكن أن نستشفه ونستنبطه، هو أن العمل عن المناهج وتطويرها وعصرنتها منفصل عن العملية التعليمية، فما فائدة المنهج القديم أو الحديث إذا كان الطالب سيخرج مفتقداً لمهارات أساسية يفترض أنها أصبحت أمراً منتهياً ومكتملاً لديه منذ الصفوف الأولى في مسيرته الدراسية، وإذا قمنا بتشخيص المشكلة وأسبابها، فمتى نبدأ في التحرك للتعامل معها، وكيف سنتصرف مع مخرجات تحدث عنها الوزير وأصبحت اليوم أمراً واقعاً، وفي النهاية، هؤلاء الطلبة الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة جزء من الثروة الوطنية، فكيف يمكن أن نصحح الوضع القائم، وأن نستدرك ما فاتهم وفاتنا؟

يحيل الوزير السبب في وجود هذه الظاهرة إلى منع فصل الطلبة من الدراسة، ويمكن أن نختلف مع الوزير حول مبدأ الفصل الذي لا يجب أن يكون قائماً، فالحصول على التعليم حق لكل الطلبة، ولكن يجب التوافق على نوعية التعليم الذي يحتاجه الطلبة، ومدى توافقه مع متطلبات المجتمع والدولة، وفلسفة التعليم التي نحتاجها، وتستطيع أن تسهم ايجابياً في مواجهة التحديات واستثمار الفرص.

تفسير الوزير صحيح، ولكنه ليس كاملاً، لأنه لا يجيب عن سبب فشل الطلبة في التحصيل أثناء الأعوام الدراسية، ويعود بالسؤال لنلقيه على المعلم، ولأن المعلم ليس رجلاً خارقاً في النهاية، فإن السؤال سيؤول إلى القيادة التعليمية، بمعنى استعادة المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعية تتخطى علاقتها بالدولة لتصبح جزءاً عضوياً من مجتمعها المحلي يمكن أن يتابع الطلبة ويرعاهم بصورة أكثر شمولية من مجرد العلاقة القائمة بين المعلم والطالب داخل الغرفة الصفية.

هذه القيادات التعليمية هي التي تستطيع أن تتحدث عن التعليم بعد أن تحصل على فرصة تبادل الخبرات مع الإداريين المتخصصين بشكل عام في تخصيص الموارد المتاحة تجاه النتائج الأفضل، وفي هذه المرحلة، علينا أن نتحدث عن الفرق بين المخرجات والنتائج، فمستوى الطالب في القراءة والكتابة من مخرجات العملية التعليمية، ولكنه ليس النتيجة المرجوة على الأقل من منظور الدولة.

النتيجة التي نريدها تتعلق بتنافسية الأردن من خلال العامل البشري، أهم مفردات ثروته، والسؤال، هل توجد مستويات أخرى للتعليم يمكن اعتمادها، وهل يجب أن يمتلك جميع الطلبة القدرة على التعامل مع نصوص البحتري أو التفاعلات الكيميائية، أم أن مساراً آخر يمكنهم من مفردات أكثر عصرية وعملية يمكن أن يتوازى مع التعليم التقليدي، وأن يقدم تعليماً يقارن نفسه بالمناهج القائمة في الدول الأخرى، ويكون مصمماً لمختلف مستويات التنافسية، وأن يضع بين أولوياته تعديل أدوات قياس مخرجات العملية التعليمية نفسها.

حديث الوزير مقلق، والأكثر إثارة للقلق هو ضعف ردود الأفعال وتغيب النقاش المجتمعي حول التعليم، ولنتحدث بما أمكننا من صراحة، ونوزع المسؤولية بين الطبقة الوسطى التي اختارت الحلول الفردية من خلال التعليم الخاص فأصبحت غير مهتمة بأن يتحول التعليم الحكومي إلى شأن وطني عام يستحق درجة عالية من الاهتمام، وبين الحكومات المتعاقبة جزءاً آخر من المسؤولية بتركها وزارة التربية والتعليم تتحمل مسؤوليات وتقوم بواجبات يفترض أنها تشاركية على جميع المستويات.

يمكن أن أكرر من جديد مقترحي بوجود مجلس أعلى للتعليم عابر للحكومات والمراحل يضم في عضويته أكاديميين وإعلاميين ورجال أعمال ليؤسس لمشروع استراتيجي للتعليم بعيداً عن الاجتهادات والنوايا الحسنة، مجلس يمكنه أن يوصي بثورة في التعليم يمكن أن تعيد تخصيص الدعم الحكومي لمراحل دراسية، وأن يضع أسساً تشاركية لمراحل أخرى، وأن يستثمر في مراحل تالية على أساس التكلفة والعائد وليس مجرد الحصول على أرقام أخرى توسع الظواهر المقلقة وتجعل مواجهتها أصعب مع الوقت.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات