سامح المحاريق
رفضت الأردن ومنذ اللحظة الأولى الانسياق وراء التعامل مع السابع من أكتوبر 2023 بوصفه حدثاً منفصلاً، فالتراكمات التي نتجت عن ممارسات الاحتلال لعقود من الزمن أدت إلى الوصول إلى الكتلة الحرجة، وكل هذه الممارسات مُررت وطُبعت بوصفها جزءاً من حياة الفلسطينيين، ولم يتوقف أحد ليتساءل عن هذه الوضعية، على العكس من ذلك، واصلت قوات الاحتلال عملها المنهجي في التضييق على حياة الفلسطينيين وتحويل أبسط متطلباتهم إلى طموحات بعيدة المدى عليهم أن يذهبوا كل مرة للاستجداء من أجل تمريرها، فيصبح الوضع الطبيعي والبسيط في محتواه مكتسباً يسجل عليهم، ويجبرون لتحقيقه على تقديم تنازلات جديدة.
التنقل بين المدن الفلسطينية يتحول في الأسابيع الأخيرة إلى عملية مرهقة وغير مأمونة، فالوصول إلى بيت لحم من رام الله، ولمسافة تقل عن ثلاثين كيلومتراً يتحول إلى مغامرة غير مضمونة، لدرجة ضعف احتمالية التمكن من الذهاب والعودة في اليوم نفسه، كما وأن الفلسطيني ربما يتعرض للإهانة أو الاعتداء الجسدي على حاجز الكونتينر الذي يفصل رام الله عن المدن الجنوبية في فلسطين، والوضع إلى مدن الشمال ليس أفضل على أية حال.
كثير من الطلبة الفلسطينيين ما زالوا يتلقون التعليم بواسطة الانترنت ولا يتوجهون إلى المدارس، فالمدارس ليست في كل مكان، والتنقل مسألة محفوفة بالمخاطر للأطفال ومكلفة لأسرهم، والفلسطيني عليه أن يبرمج حياته وفقاً لبرامج جيش الاحتلال وأولوياته وأعياده وظروفه.
الأردنيون كانوا قريبين من ذلك كله، يتابعونه ويسجلون ملاحظاتهم، ويسعون لتفعليل التسهيلات الممكنة، ويتحملون أحياناً الانتقادات التي تفلت نتيجة الأوضاع الصعبة، ولكن العلاقة متداخلة وصعبة.
كان الأردنيون أول من حلقوا بطائراتهم في سماء غزة، الخطوة التي تتلقى بعض الانتقادات من جهات تحاول أن تستغل محدودية التكلفة في التوجه بنقدها للأردن قياساً بتوجيهه لعناوين أخرى، والأردن أيضاً، اعتاد على ذلك، وأتت فرية الجسر البري لتزيد من حدة الانتقادات، مع إهمال حقيقة أن اجراءات النقل مازالت كما كانت منذ 25 عاماً ولم يطرأ عليها اي تغير وان التزويد للفلسطينين سيستمر، وفي حالة الضفة الغربية سيكون انقطاعه كارثياً، أما الجانب الإسرائيلي فلديه موانئ البحر المتوسط.
الأردن بطبيعة الحال لا يقدم كشفاً بالحساب للأشقاء في فلسطين، لأن العلاقة لا تتوقف عند هذه التفاصيل، ويمكن القول، أن الأردن يشكل الخط الأحمر بالنسبة لأكثر من 90% من الشعب الفلسطيني، والضفة الغربية تمثل الحيز المكاني الذي يتحمل الأردن تكلفته الاستراتيجية، وتزايدت هذه التكلفة مع التعقيدات الإجرائية خاصة أن الأردن ومنذ أكثر من عقدين يفتقد للظهير العراقي، ولأكثر من عقد من الزمن تتحول سوريا من عامل مساندة على الرغم من كل الملاحظات والمحطات الخلافية إلى تكلفة على الأردن.
موضوع المياه في هذه المرحلة يظهر تعقيدات الموقف، في الظروف الطبيعية، ولو كان العدوان على غزة والاعتداءات على الضفة غير متوازية مع أوضاع متعسرة في سوريا مثلاً كان يمكن الحديث مع الأشقاء في دمشق بخصوص المياه، ولكن هذه هي المعادلة اليوم.
الفلسطينيون يستفيدون من الأردن القوي، أما المشجعون البعيدون عن الخطوط المتقدمة للصراع، والذين يمكن أن تنغص حياتهم انقطاع الكهرباء لنصف ساعة، فجميع أحاديثهم فارغة وغير منتجة، ولذلك فالوقوف وراء الأردن الذي يتحمل هذه المسؤولية لأسباب تاريخية وجغرافية يحمل قدراً من الأهمية في ظل الأوضاع الضاغطة في الضفة الغربية، والعنوان الأردني واضح ولا يحتاج إلى سؤال، فكما قصده الهولنديون والبريطانيون وأخيراً الأمريكيون للمشاركة في حملات الإنزال الجوي، يتوجب على دول أخرى كثيرة تسرف في التصريحات أن تقصده من أجل المتابعة القريبة للأوضاع المرشحة للانفجار بعنف في مناطق مختلفة من فلسطين.
لماذا انفجرت غزة قبل أشهر؟ لأنها تتعرض لضغوطات منهجية لتحويلها إلى منطقة طاردة وللوصول بمستوى الحياة فيها إلى درجة من السوء تجعل الموت حلاً ممكناً، ونفس الاستراتيجية بدأت ملامحها في الظهور في الضفة الغربية، والخيارات الأردنية يجب أن تتحرك بفعالية وبصورة مبكرة أمام هذه الأوضاع حتى في ظل الانصراف إلى سخونة الأحداث ومواجهة التوحش الإسرائيلي في قطاع غزة.