صدمنا من صمود أهلنا في غزة وواجهنا إصابات لم نراها من قبل
الصمادي: الاحتلال سرق جثث الشهداء وأعادها بلا “جلود”
قاسم: وصيتي أن يدفن معي دم شهيد أحضرته من غزة ليكون شاهدا لي أمام الله
أخبار حياة – عبر أردنيان عائدان من قطاع غزة عن فخرهم وسعادتهم لما قدموه من مساعدة “بسيطة” للأهل بالقطاع المحاصر في ظل الحرب المستعرة التي يشنها الاحتلال على المدنيين العزل منذ نحو 218 يوما، مشيرين إلى أن شعور العجز هو أصعب ما يمكن أن يعيشه الإنسان طوال حياته.
وأكد الأستاذ المشارك في الهندسة الطبية بالجامعة الهاشمية، الدكتور عثمان الصمادي، وأخصائي الجراحة العامة، الدكتور طارق قاسم ، في حديثهم لبرنامج “صالون حياة“، والذي يأتي كل يوم سبت عبر أثير إذاعة “حياة اف ام“، أن ما عاشوه في قطاع غزة أشد قسوة مما ينشر ويبث عبر المحطات الإخبارية والمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.
“ما عشناه في القطاع يحتاج لسنوات كي يوثق ويكتب رغم قصر المدة التي تواجدنا فيها بغزة، الأحداث التي تحصل يوميا في غزة قد تحتاج لسنوات كي تحدث في أي دولة حول العالم، شهداء وإصابات لم نشهدها من قبل، الإمكانيات شحيحة، والاحتلال مارس كافة أشكال التعذيب بحق أهلنا في القطاع”، على حد قول الصمادي وقاسم.
الدكتور الصمادي يشير إلى أنه توجه للقطاع لغاية إصلاح جهاز “الأشعة المقطعية”، وهو الجهاز الوحيد الذي كان يعمل في القطاع داخل مستشفى غزة الأوروبي، حيث يستخدم الجهاز لتحديد طبيعة الإصابة من نزيف أو كسور أو تهتك، سيما أن الطبيب دون اجهزته يقف عاجزا أمام المريض.
وبين الصمادي أنه لم يتردد في تلبية النداء في أواخر أيام شهر رمضان المبارك، وتوجه للقطاع بعد حصوله على الموافقات اللازمة.
“حين وصولي للقطاع شعرت وأدركت حجم الكارثة في غزة، نقص شديد في الأجهزة وقطع الغيار، الاحتلال كان يمنع دخول أي معدات طبية طول فترة حصاره إلى المستشفيات، لحظة إصلاحي للجهاز رأيت فرحة رسمت على وجه أهل غزة لن أنساها، وجودنا في القطاع قدم دعما نفسيا لشعب غزة لدرجة أنني شعرت بالخجل أمام فرحتهم”، بحسب وصف الصمادي.
وتابع:” لم اشعر بالفخر طوال حياتي المهنية والعلمية إلا عندما توجهت لغزة، فغزة تحتاجنا جميعا، تواجدت في القطاع فقط 16 يوما، وشعر كانها 16 عاما، فكم الأحداث التي تحصل يوميا يمكن أن تحصل على مدار سنوات في أي دولة أخرى”.
ولدى سؤال الصمادي عن أصعب ما واجهه في غزة، أجاب :” أصعب ما عشته لحظة وصولي إلى مجمع ناصر الطبي والذي تم إحراقه بشكل كامل، حيث تم افتتاح قسم غسيل الكلى بداخله قبل الحرب بشهرين وبإمكانية 70 جهازا، إلا أن الاحتلال دمر كل ذلك”.
وأضاف:” كان أمام المجمع مقبرة جماعية والكثير من الشهداء المجهولين، استخدمنا دلالات بسيطة لعل ذويهم يتعرفون عليهم كلون ملابسهم، او طولهم، أو عن طبيعة إصابتهم، كنت اسمع أن العدو يسرق الجثث ولكني تأكدت من ذلك خلال تواجدي بمجمع ناصر الطبي ورأيت ذلك بأم عيني”.
واستكمل كلامه بغصة قائلا: ” ما رأيته في غزة يدل على أن العدو أبشع من أي وصف سلبي قد يوصف به، جيش الاحتلال سرق جثث الشهداء وسرق جلودهم، وسيظهر حجم بشاعة ما مارسه الاحتلال بحق شعب غزة بعد انتهاء الحرب، عدا عن سرقة اعضاء الشهداء، فالشهيد بالنسبة للعدو جثته مستباحة”.
الدكتور الصمادي في نهاية حديثه، كشف عن أصعب موقف عاشه في القطاع، عندما جلس مع استشاري جراحة في إحدى مستشفيات غزة حيث كان أسيرا لدى الاحتلال لفترة طويلة، ناقلا على لسان الاستشاري والذي عاش أصعب أيام حياته تخللها تعذيب يفوق الوصف وتنكيل وممارسة ابشع أنواع العذاب من قبل العدو، “الأسير يتمنى الشهادة في سجون الاحتلال، استخدمت شوكة الطعام لنخز يداي لغاية اخراج الدم تجنبا لبترهما بسبب القيود البلاستيكية التي كبلت بها، العدو اجبرني على النباح وإلا سأعذب إن لم أفعل، طلبت طبيبا ولم اجب، كنت اسمع صوت صراخ زملائي من شدة التعذيب تمنيت لو أنني اعذب قبلهم كي ادخل في غيبوبة ولا اسمع صوت صراخهم”.
أما الدكتور قاسم، قال في حديثه لـ”حياة اف ام“، أن شعور الدخول إلى القطاع لا يمكن وصفه، مشيرا إلى ان الواقع أشد قسوة مما ينشر.
“رأيت حجم الدمار في القطاع خلال رحلتي لغزة، السيارات كانت تسير بصعوبة من شدة اكتظاظ السكان، الألم واضح جليا على وجوه اهل غزة، الأراضي الفارغة كانت تستغل لنصب الخيام، الخصوصية معدومة، الحياة لا يمكن أن تستمر في ظل ظروف كهذه”، بحسب قاسم.
وفي وصف قاسم لرحلته إلى القطاع قال:” عانينا من نقص الأجهزة، وعملنا في ظروف صعبة أهمها إنقطاع الكهرباء في المستشفيات، استقبلنا كما هائلا من الجرحى والاصابات مارسنا مهنة الطب وكأننا نعيش قبل 200 عام”.
وبين أن العديد من العمليات كانت تجرى على مراحل نظرا لانقطاع الكهرباء، في حين أن الأطباء اضطروا لاستخدام إضاءة الهواتف لاستكمال العمليات.
قاسم يروي لحياة اف ام عن موقف يصعب نسيانه عاشه في القطاع، ويتمثل بإشرافه على علاج فتاة غزية تبلغ من العمر 21 عاما، حيث قام الاحتلال بدهس خيمة عائلتها على شاطئ غزة، وعندما رأى الاحتلال أن عجلات دبابته لم تدهس كافة العائلة، عاد مجددا لدهس كل من في الخيمة إلا ان روان بقيت على قيد الحياة مع إصابة بالغة، بقينا لأيام عديدة نحاول إجراء العمليات اللازمة لها لتبقى على قيد الحياة، إلا انها فارقت الحياة لاحقا.
قاسم وهو يتحدث باستهجان كبير عن صمود أهل غزة قال :” الأطباء في القطاع طلبوا منا ان نشعر معهم فقط دون أن نقدم لهم المساعدة، اعتبروا حضورنا للقطاع معروفا كبيرا، حقا صمودهم لا يوصف”.
وفي حوار تخلله العبرات، كشف قاسم عن وصيته بدفن دم شهيد أحضره من القطاع تميز برائحة المسك، حيث تبين لاحقا أن هذا الدم يعود لشهيد حافظ للقران الكريم حضر للمستشفى اشلاء بما في ذلك “الأمعاء” احضرت داخل كيس تفوح منه رائحة المسك ولاتشبه رائحة الدم المعتادة.
وقال قاسم:” وصيتي أن يدفن معي دم الشهيد ليكون شاهدا أمام رب العالمين أنني حاولت مساعدة أهلنا في غزة، تلك الرائحة جاءت كأنها رسالة من الله أن النصر حليف أهل غزة وهذا نوع من أنواع التثبيت”.
القاسم اختم كلامه مبينا ان الاحتلال استهدف كافة رموز القطاع كالأطباء والعلماء ورجال الدين، وما يحصل في القطاع هو اختبار للأمة الاسلامية كافة، ومجرد السكوت عن جرائم الاحتلال يعتبر خيانة.

