لقاء الأمير الحسين.. والتقاطعات الحادة بين الماضي والمستقبل

سامح المحاريق

كان الملك الحسين خارج الأردن عندما وصله البريد يخاطبه بجلالة الملك، وكان عليه أن يعود ليجد مشهدًا سياسيًا معقدًا، كان الملك وقتها لم يبلغ السن القانوني لتولي مهامه الدستورية، ووجدت تخريجة ذكية أن يعتمد العمر بالتقويم الهجري، ولم تكن القصة بالنسبة للملك عبد الله الثاني أقل درامية، فالملك الحسين في أيامه الأخيرة قرر أن يعيد ولاية العهد لنجله الأكبر الذي كان يعيش حياة مهنية صرفة في القوات المسلحة، وكانت هذه الخطوة مفاجئة للجميع، الأردنيون، الدول الشقيقة والصديقة في مستوياتها القيادية، والأهم من ذلك الملك عبد الله الثاني نفسه.

تختلف قصة ولي العهد وتبدو طبيعية إلى حد كبير، فهو في موقعه دستوريًا منذ العام 2009، وعمليًا منذ سنة 2004، مما منحه فرصة تأهيل جرت وفقًا لتسلسل هادئ، ومنذ تخرجه من جامعة جورج تاون سنة 2016 وهو يندمج عمليًا في الكثير من الأنشطة، ويلازم والده في معظم أسفاره واجتماعاته رفيعة المستوى على المستوى المحلي والدولي.

نشوة السبق الصحفي الذي تحصلت عليه قناة العربية لتصف لقاءها بالأمير بأنه غير مسبوق، ربما تنطبق إلى حد ما على المشاهد العربي، أما بالنسبة للأردنيين فهم يعرفون الأمير بصورة جيدة، وتابعوه عن كثب في العديد من المناسبات، ويتابعون أخباره بصورة مستمرة، العائلة الملكية ووراءها الطبقة السياسية تستحوذ على الأحاديث في المجالس الخاصة بصورة تتجاوز الحدود المعقولة، وكان الملك عبد الله الثاني واعيًا لهذه النقطة، وتحدث كثيرًا عن الشائعات والتكهنات التي تشتمل على كثير من المغالطات بحسن أو سوء نية، ومع الوقت، أخذ يعتبر ذلك جزءًا من الحياة لا يستحق كثيرًا من التوقف أمامه.

هذه النقطة تبدو واضحةً لدى الأمير الذي يبدو متفهمًا للخطاب السياسي وقصديته غير المباشرة، والمواربة التي يحملها، والمصالح التي تتخفى وراءه، وكأن الأمر أصبح جزءًا من التكوين السياسي لأسرة الملك عبد الله الأول التي عايشت لحظات كثيرة من الإحباط تتعلق بالمقربين منهم.

ولكن هذه الأمور أصبحت جزءًا من الماضي بالنسبة للأجيال الجديدة التي تميل إلى البرجماتية في رؤية العالم والتعامل معه، فنادرًا ما يتحدث عن التاريخ وتفاصيله الشباب الذين لم يصلوا إلى الأربعين من العمر، وسيكون الحديث عن التاريخ أمرًا نادرًا وهوايةً مستغربةً بعد عشرين أو ثلاثين عامًا عندما جيل زد الرقمي أنماط حياته على العالم بالكامل، ومع ذلك يبدو الأمير متمسكًا بمفهوم الدولة التقليدي الذي أخذت أوساط كثيرة تناقشه وتطرح بدائلًا لفكرة ما بعد الدولة، ولأجل ذلك، يتحدث الأمير عن إعادة خدمة العلم (التجنيد الإجباري) لإضافة هوية وطنية متعالية ومتداخلة مع الهويات الفرعية التي لا ينكرها في حديثه ويقاربها بصورة واقعية.

الفكرة التي يحملها الأمير عن مفهوم الدولة ودورها تدفع للطمأنينة في ظل المشاهدات في أكثر من بلد عربي، وصعود الجماعات التي تصنف خارج البنية الرسمية للدولة، أو الجماعات تحت الدولة كما يسميها بعض المختصين، وتتكامل رؤية الأمير للأمن ومفهومه مع الرؤية المستقرة منذ عقود في المملكة.

الرؤية المستقبلية لدى الأمير تظهر في حديثه عن موقع الأردن وتحويله من عبء إلى ميزة كبيرة، ولكن الفكرة المهمة تختزل عقدين أو ثلاثة من الزمن للوصول إلى هذه النقطة التي ستحدث استجابةً لحسابات عالمية جديدة، لا تستطيع أي دولة، بمعنى أي دولة، أن توقفها لأنها استجابة لمتطلبات تاريخية، ولكن ما الذي سيحدث أثناء العقدين القادمين، خاصةً أن الأمير يتحدث أكثر من مرة عن مشكلتي الفقر والبطالة، من غير أن يحمل خطابه إدانة للشباب خلافًا لكثير من السياسيين الذين يحاولون ترحيل المشكلة تجاه المواطنين، وكأن دورهم يقتصر على إدارة الوضع الراهن وليس القيادة تجاه وضع جديد.

يوصف المفكر البولندي زيجمونت باومان الجيل الذي استقبل الألفية الجديدة، بأنه الجيل الذي (يعرف ما لا يريد) ولكنه (لا يعرف ما يريد)، وكان ذلك واضحًا في ثورات الربيع العربي، وخاصة في مصر، ومن غير المحتمل أن يحدث تغير جوهري على هذه الحالة، فالتدفق المعلوماتي يؤدي كثيرًا إلى اضطراب في الرؤية، مثل أداء العين في الضوء الساطع، وهذه مشكلة قيادة مستقبلية تلقي بأعباء كبيرة، إلا أنه يتضح إلى حد كبير تفهم الامير لهذه التفاعلات بصورة تتقدم على كثير من السياسيين في الأردن الذين يتوزعون بين الماضوية البيروقراطية والمستقبلية الماركنتالية التي تبتعد عن استيعاب العوامل الاجتماعية.

من الصعب الوقوف على التسوية التي يريدها الأمير أو يحملها بين التمسك بمفاهيمية تاريخية وإدراك التحدي المستقبلي، ولا يمكن لمقابلة تلفزيونية أن تقدم ذلك، ولكن بعض الثوابت يمكن استشفافها وهي أن الأمير جزء من التصورات الملكية التي تشكلت في السنوات الصعبة الماضية والحلول التي وضعت لاستعادة حيوية المجتمع من خلال وضع مشاريع متزامنة ومتوازية للتحديث السياسي والإصلاح الاقتصادي والإداري، أو ما هو انتقالي بالضرورة، يتدراك بعضًا من المشكلات المرحلة، ويمهد لاستحقاقات كثيرة قادمة، ولكن تقديم إجابات واضحة وقاطعة وحاسمة حول السؤال الكبير، وماذا بعد؟ يعتبر مسؤولية تشاركية تجمع كل الأردنيين خارج التصنيفات المكرسة والأحكام المسبقة في ظل التقاطع الحاد بين الماضي والمستقبل على أرضية إقليمية قلقة ومحملة بالأزمات والأجواء الضبابية.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات