أخبار حياة – ما تزال تداعيات فاجعة وفيات الحجاج الأردنيين، تلقي بظلالها على المملكة وسط اهتمام وترقب شعبي لما سيتوصل إليه القضاء بشأن الملف الشائك والمتورطين فيه، وذلك مع وصول أعداد الوفيات إلى 99 حاجا و21 آخرين يتلقون العلاج 16 منهم في حالة حرجة، والعثور كذلك على 97 حاجا أردنيا من بين 112 مسجلين ضمن المفقودين.
وقبل أيام، قررت النيابة العامة إغلاق 3 شركات في قضية الحجاج الأردنيين الذين غادروا من خلال المكاتب الخاصة وخارج البعثة الرسمية الأردنية، والحجز أيضا على الأموال والمتحصِّلات الجُرمية التي كانت ثمرة الأعمال الجرمية في قضية الحجاج الأردنيين، في حين ارتفع عدد المشتكى عليهم في القضية إلى 54 شخصا، بينما ارتفع عدد الموقوفين على ذمة القضية إلى 27 شخصا مشتكى عليهم.
“أخبار حياة” تتبعت بدورها فصول القضية منذ بدايتها على لسان أحد الحجاج “غير النظاميين” الذين غادروا إلى السعودية عبر تأشيرة زيارة من خلال إحدى المكاتب المختصة، وهو ما ينطبق في الوقت ذاته على الحجاج الآخرين ممن غادروا بالطريقة نفسها.
يقول أبو العبد إن إعلانا ممولا لفت انتباهه أثناء تصفحه موقع “فيسبوك”، ويدعو الراغبين بالحج إلى تقديم أوراقهم لمكتب ما للحصول على تأشيرة”، الأمر الذي دفعه إلى التواصل مع ناشري الإعلان، كونه كان يخطط للحج هذا الموسم.
بعد ذلك، زار أبو العبد المكتب ودفع مبلغا قدره 330 دينارا للحصول على تأشيرة زيارة برفقة زوجته، قبل أن يدفع لاحقا 3000 دينار لقاء بقية مصاريف الرحلة ذهابا وإيابا والإقامة بفندق في منطقة العزيزة دون إقامة عرفة ومنى، فضلا عن 2500 تم دفعها لمهربين، مشيرا إلى أن الرحلة الشاقة استغرقت مدة 45 يوما وضمت أيضا 150 مواطنا أردنيا، وأن الجميع غادر إلى السعودية قبل موسم الحج بـ45 يوما.
“هنا، بدأ القلق والتوتر يتسلل إلى أنفسنا” كما يقول أبو العبد، مضيفا: “حيث ذهبنا إلى الفندق وتم حجزنا هناك ومنعنا من الخروج خوفا من ضبطنا من قبل السلطات السعودية لمدة 20 يوما، لكن تم ضبطنا بنهاية شهر أيار (مايو) الماضي ونقلنا إلى منطقة جدة”.
لم تنته فصول الخوف بل دخلت فصل جديد أكثر سخونة، ذلك أن أبي العبد ومن معه اضطروا للتواصل مع أشخاص مهربين ويُدعون (القديد)، ليتكفلوا بعودتهم بعد 6 ساعات من ترحيلهم إلى جدة مقابل مبلغ مالي، وبالفعل يؤكد أبو العبد: “ركبنا سيارات وعبرنا الصحراء بطرق التفافية وغير معروفة لحين الوصول إلى الفندق بمكة، وبعد ذلك بدأنا رؤية مشاهد الوفيات في الشوارع بين صفوف الأردنيين وغيرهم، فلجأنا للبعثة الأردنية الرسمية إلا أنهم رفضوا استقبالنا، ليتم استضافتنا من قبل البعثة اللبنانية”.
أبو العبد واحد من بين ما يقارب 20 ألف مواطن أردني حصلوا على تأشيرات زيارة لأداء مناسك الحج، إلا أن منهم من مات بالشوارع جوعا وعطشا وإرهاقاً، ومنهم من مات بضربة شمس بسبب الارتفاع الكبير على درجات الحرارة التي فاقت الـ60 درجة مئوية، ومنهم من فقد بين الأعداد الهائلة وقُيد ضد مجهول في السجلات السعودية.
حدث ذلك، وسط غياب تام لأي رعاية لازمة سواء من قبل من أطلقوا الوعود (السماسرة) وتخلوا عنهم ساعة الحاجة، أو من صرح علانية بأن هؤلاء الحجاج “خارج البعثة الأردنية”، وهي وزارة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية.
ولم تُجب وزارة الأوقاف على أسئلة “أخبار حياة”، مكتفية على لسان الناطق الإعلامي باسمها بالقول: “لا نستطيع التعليق على قضية الحجاج وما حدث مؤخرا، كون القضية منظورة أمام القضاء وننتظر صدور قرارات بحق المخالفين”.
إلا أن مصدرا مطلعاً قال لـ”أخبار حياة” بعدما اشترط عدم كشف هويته، أن وزارة الأوقاف كانت على علم بتفاصيل قيام مكاتب باستقطاب أردنيين لأداء الحج بطرق غير نظامية عبر تأشيرات زيارة وبأعداد كبيرة، ووقفت موقف المتفرج “حتى وقعت الفأس بالرأس” على حد تعبيره.
وأضاف المصدر، أن “الإجراءات المتبعة من قبل وزارة الأوقاف تجاه أي شركة غير مرخصة لغايات الحج في حال قيامها بتجاوزات، أنها تصدر تعميما من دائرة الحج والعمرة على الشركات كافة بمنع تسيير أي رحلة للحج بتأشيرة الزيارة الشخصية، وتضمن التعميم بأن كل من يثبت عليه سيعاقب ويحاسب ويحال للجهات القضائية”.
وأكد تقديم مكاتب مرخصة بلاغات لوزارة الأوقاف بوقائع تُثبت وجود مخالفات على مواقع التواصل الإجتماعي مفادها “تأدية الحج بشكل غير نظامي وقانوني”، ليكون رد الوزارة باقتضاب “نحن على علم ودراية بالموضوع”.
ودعا المصدر الوزارة إلى اتخاذ إجراءات قوية وحازمة فور تسجيل وتقديم شكاوى بحق المخالفين، كونها صاحبة الولاية والسلطة، لا أن تنتظر حتى حصول الكارثة.
وحصل “السماسرة” وفق ما يقول المصدر ذاته، على مبالغ تفوق الـ30 مليون دينار جراء وعود أطلقوها للمواطنين الراغبين بتأدية مناسك الحج، مفصلا ذلك بتقديم حوالي 20 ألف مواطن بواقع حوالي 1500 دينار عن كل شخص.
وقال إن صاحب تأشيرة الزيارة يحصل على تأمين صحي لمدة عام كامل، معللاً سبب تقييد الحجاج غير النظاميين الذين راجعوا المستشفيات في السعودية، ضد مجهول، كونهم لا يحملون أوراقا ثبوتية تدل عليهم.
وفي أحدث تصريح حول قضية الحجاج، قال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، الدكتور محمد الخلايلة، إن الوزارة ستتخذ الإجراءات الصارمة بحق شركات الحج والعمرة التابعة لها بما في ذلك الإغلاق في حال اثبتت التحقيقات الجارية، تورط هذه الشركات في تسهيل تسكين الحجاج ونقل المواطنين الحاصلين على تأشيرة الزيارة لغايات الحج.
وأشار الى ان التحقيقات الأولية أكدت قيام وسطاء وسماسرة وشركات وهميّة بالتحايل وتسفير حجاج أردنيين بصورة غير نظامية، حيث ان النيابة العامة لازالت تواصل تحقيقاتها في الظروف والملابسات التي أحاطت بسفر مواطنين أردنيين إلى المملكة العربية السعوديّة لغايات أداء فريضة الحج مما تسبب بوفاة بعضهم.