أخبار حياة – هل الأوضاع المالية بهذا القدر من الصعوبة؟ تُظهر البيانات الصادرة عن شركة «بيتشبوك إل سي دي» إصدار الشركات ديوناً هائلة بقيمة تريليون دولار في أسواق السندات الأمريكية ذات الدرجة الاستثمارية والعائد المرتفع خلال النصف الأول من هذا العام. ويمثل ذلك أعلى إجمالي منذ موجة الاقتراض التي شهدها عام 2021، عندما كانت أسعار الفائدة شبه معدومة.
وعلى الرغم من الموجة العارمة لإصدارات الديون الجديدة، فقد ساهم الطلب المرتفع على الديون الجديدة للشركات، مدفوعاً بالمستثمرين المتعطشين لتحقيق العائد، في كبح تكاليف الاقتراض.
وتشير بيانات بنك أوف أمريكا إلى أن المقترضين ذوي التصنيف المنخفض يدفعون في المتوسط 3.09 نقاط مئوية أعلى من عوائد سندات الخزانة الأمريكية، بانخفاض عن 3.9 نقاط مئوية خلال العام الماضي. وفي الوقت نفسه، يبلغ متوسط فروق أسعار السندات عالية الجودة 0.93 نقطة مئوية فقط، بانخفاض عن 1.28 نقطة مئوية. باختصار، كانت الأسواق مواتية للغاية، ما سهل على الشركات الأمريكية الاقتراض، حتى قبل أن يشرع الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة من أعلى مستوياتها خلال 23 عاماً. ويتجلى ذلك في مؤشر الظروف المالية الوطنية للاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، الذي وصل الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2020.
لكن ما السبب وراء أهمية ذلك؟ حسناً ثمّة مخاوف من أن هذه الأرقام تعكس تفاؤلاً مفرطاً في أسواق الائتمان، ما قد يشجع في النهاية على تحمل الكثير من المخاطر، وهذا قد يفضي إلى عدم توخي المقرضين الحذر الكافي، وتمويل الشركات ذات إمكانات النمو الضعيفة، التي قد تواجه في نهاية المطاف صعوبة في إدارة ديونها.
وكما يقول مايكل أندرسون من سيتي جروب «نحن نهتم بالأوضاع المالية لأنها تحمل تداعيات حاسمة على النمو والسياسة النقدية وكذلك معدلات التخلف عن السداد في المستقبل، وحال أصبحت الظروف المالية أكثر تساهلاً مما ينبغي، وأفرط المقرضون في تحمل الكثير من المخاطر، فقد نشهد ارتفاعاً حاداً في معدلات التخلف عن السداد». وقد تثني الظروف المالية شديدة التيسير الاحتياطي الفيدرالي عن إجراء خفضين أو ثلاثة في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية حسبما تتوقع الأسواق حالياً.
ومع ذلك، فإن واقع الظروف المالية أكثر تعقيداً مما قد توحي به المقاييس العامة المذكورة. على صعيد المؤشر، قد تبدو الأوضاع مريحة للغاية، لكن عند التعمق أكثر، أميل إلى الاتفاق مع مايكل أندرسون بأن الوضع أقرب إلى «مزيج متنوع». وكما يوضح، فقد ارتفع إجمالي نشاط الاستحواذ بالاستدانة هذا العام، لكنه لا يزال أقل بكثير من المستويات المرتفعة التي شهدناها مباشرة في أعقاب جائحة كورونا، عندما حفزت إجراءات البنك المركزي موجة الاقتراض.
وفي الواقع، كانت نسبة إصدار السندات الرديئة عالية المخاطر في النصف الأول من هذا العام لغرض إعادة التمويل عند أعلى مستوياتها منذ عام 2009، مع اختيار الشركات وداعميها من المستثمرين في الأسهم الخاصة الاعتماد على الديون القديمة بدلاً من السعي بقوة إلى صفقات الاندماج والاستحواذ.
ورغم أن إصدار الديون بدأ بداية قوية هذا العام، فقد امتنع المقترضون الأضعف عن المشاركة بنفس القوة. وبلغ إجمالي إصدار السندات الأمريكية الرديئة ذات التصنيف «CCC» أو أقل من قبل وكالة تصنيف واحدة على الأقل، وهو أدنى مستوى من التصنيف الائتماني، 11 مليار دولار فقط خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024، وفقاً لبيانات «بيتشبوك إل سي دي».
وتم تسجيل زيادة طفيفة عن المستويات المنخفضة للغاية خلال عام 2023، لكنها لا تزال أقل من الثلث مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وفي المقابل، ارتفع إصدار السندات الرديئة ذات التصنيف «BB» و«B» بنحو ثلاثة أرباع في النصف الأول من هذا العام ليصل إلى نحو 150 مليار دولار. وبالتالي، ظلت نافذة الاقتراض مفتوحة على مصراعيها في عام 2024، باستثناء الشركات ذات الديون عالية المخاطر والتي تواجه العديد من مشكلات الاقتصاد الكلي والمشكلات الخاصة.
وغالباً ما يتم الإشارة إلى قطاعي الرعاية الصحية والاتصالات بأنهما من القطاعات المرتبطة بهذه التحديات. وأعتقد أن علامات الخيارات الائتمانية الدقيقة، والميل إلى تجنب الشركات الأضعف عموماً، يبرز أيضاً في السوق الثانوية، حيث يتداول المستثمرون الأصول في ما بينهم.
ويبلغ متوسط الفارق للسندات الأمريكية الرديئة ذات التصنيف «CCC» أو أقل نحو 9.3 نقاط مئوية، مقارنة بـ9.2 نقاط مئوية في العام الماضي. وعلى النقيض من ذلك، فإن السندات ذات التصنيف «BB»، وهي الأعلى في الفئة ذات العائد المرتفع، تدفع علاوة اقتراض بمتوسط 1.8 نقطة مئوية، أي أقل بكثير من 2.5 نقطة مئوية عن يوليو الماضي. ويبدو أن المستثمرين يتحركون، أو يتداولون، بحذر أكبر مما توحي به المؤشرات العامة لظروف الاقتراض. واستناداً إلى البيانات، فإن الاتهامات بالحماس المتهور ستكون غير منصفة أو سابقة لأوانها على الأقل.
وبطبيعة الحال، قد يتضاءل هذا الحذر إذا قرر الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في نهاية المطاف. ومع ذلك، ثمة حجة مفادها أن خفض أسعار الفائدة قد يصبح مقيداً لهؤلاء المقرضين المستفيدين حتى الآن من شروط الاقتراض التيسيرية.
ووفقاً لمارك أندرسون من سيتي جروب، إذا اختار البنك المركزي تخفيف السياسة النقدية، فقد تشعر جهات الأسهم الخاصة بالميل إلى طرح المزيد من الديون إلى السوق، ما يخلق عقبة فنية توسع الفروق الائتمانية العامة، ويزيد على نحو غير متوقع من تكلفة الاقتراض بالنسبة للشركات.
ويشير ذلك كله إلى أن «هذه الدورة ليست عادية، فقد انقلبت الموازين مقارنة بالاتجاهات التاريخية، لذلك لا يمكنك الاعتماد فقط على مقياس أو مقياسين بسيطين لفهم الصورة الكاملة». ويمكن أن تنطبق هذه الكلمات على العديد من فئات الأصول والسيناريوهات في أيامنا هذه.