إنه سيد الكذب فقط!

رجا طلب

مع مرور الوقت اخذت تلتصق صفة «الكاذب» في وصف شخصية بنيامين نتنياهو بعد أن كانت الصفات السابقة له هي (ملك إسرائيل، سيد الأمن، الساحر) وكلها صفات كانت تُطلق عليه في اطار الانبهار بشخصيته وقوة تأثيرها على الجمهور داخل دولة الاحتلال او في الخارج وبخاصة في الولايات المتحدة الاميركية.

عول نتنياهو كثيراً على فرصة الذهاب للكونغرس والقاء خطاب فيه للمرة الرابعة ليكون السياسي الاكثر حفاوة في الكونغرس بعد ونستون تشرشل الذي خاطب الكونغرس ثلاث مرات، ومنذ تلقيه الدعوة للزيارة أعد نفسه جيدا لاستثمار هذه الفرصة بصورة جيدة جداً، وذلك لإعادة انتاج صورته لدى المشرعين الأميركيين باعتباره الحليف الأوفى والأقوى لواشنطن في الشرق الاوسط، وهي الصورة التى اراد من خلالها الحصول على المزيد من الدعم العسكري في عدوانه على غزة والمزيد من الغطاء السياسي بعد ان اصبح متهما من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية «مجرم حرب».

كان «مسرح الكونغرس» قد أعد بصورة دقيقة تخدم الخطاب الذي كُتب بهدوء وبدقة ليجمع بين الحماسة والتأثير والكذب والتضليل وليشكل رواية منسوجة بعبقرية كاذب محترف اعتاد على ذلك على مدى أكثر من عقدين خاصة لعلمه انه سيخطب في سياسيين هم على يمينه ويملكون نزعات صهيونية لا تقل عنه تطرفا وعنصرية وتحديداً رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وهو ما يعني كأن نتنياهو كان يتحدث مع ذاته وأمام المرآة، ويعلم أن لا أحد من الحضور سيقوم ويصرخ في وجهه اعتراضاً او تكذيباً مثلما يحدث معه في «الكنيست».

لا اريد في هذا المقال تفنيد الاكاذيب الكثيرة التي اوردها في خطابه الذي حقق غايته بأن حصل على تصفيق 45 مرة خلال 56 دقيقة بمعدل تصفيق في كل دقيقة واربع وعشرين ثانية، وهو ما اظهره منتشيا غير عابئ بتلك الاكاذيب التى اسمعها لهم ومتناسيا ان جمهوره في اسرائيل هو من سيحاسبه في نهاية المطاف على كل اكاذيبه.

أعتقد أن «ام الاكاذيب» التى اوردها نتنياهو هي قوله (لم نقتل مدنيين) عدا عن اعادة انتاج اكذوبة الاغتصاب وقطع الرؤوس في السابع من اكتوبر والتي نفتها لاحقا الشرطة الاسرائيلية نفسها في تحقيق مستقل نفى الرواية وأقر بأن قطع الرؤوس واحتراق الجثث كان بفعل طائرة اباتشي اسرائيلية قصفت مستوطنة «بئيري» عملا بقانون «هانيبال» الذي يجيز للجيش قتل الاسرائيليين اذا كانوا سيقعون في الاسر والتحقيق موجود على الإنترنت ونشر في تاريخ 19/ 11/ 2023.

ذُهلت كمتابع وككاتب من هذا التصريح، أقصد أن جيش الاحتلال لم يقتل ولا مدنياً واحداً، (رقم الشهداء تجاوز الاربعين الف شهيد) والسؤال كيف لهذا الجمع من المشرعيين الاميركيين أن يتقبلوا كذبة كهذه وهم يرون يوميا بعيونهم عشرات الاطفال والنساء الذين يقتلون وعلى الهواء مباشرة. في ظني ان نتنياهو تجرأ بسوق هذه الاكذوبة فقط لانه يعلم ان الذين يستمعون اليه هم من نفس «عقيدته الحيوانية» التي لا ترى في من هم في غزة إلا «إرهابيين وقتلة » وهي حالة متطرفة من «خداع الذات» أو «الانفصال عن الواقع» حسب علم النفس.

وبحكم المتابعة الدقيقة لما بعد تلك الجلسة استطيع القول وبكل موضوعية ان نتنياهو لم يحقق ما كان يريده لا في داخل اميركا حيث تسببت تصريحات نائبة الرئيس كاملا هاريس في تعكير صفو مزاجه بعد ان انتقدت علنا اسرائيل وتسببها بالازمة الانسانية في غزة وقتل المدنيين في رد واضح على ادعائه أن لا أزمة جوع في غزة، وأن لا قتل لأي مدني هناك ولا في الخارج حيث جاء قرار بريطانيا الملفت والذي قررت فيه لندن سحب تحفظاتها التي قدمتها لـ”الجنائية الدولية» ضد إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو ويواف غالانت بعد ساعات من خطابه في واشنطن ضربة غير متوقعة.

أما في الداخل الإسرائيلي فحدث ولا حرج، فاذا تجاوزنا تصريحات بن غافير وسموتيرش فان الخطاب وكما يقولون «ضاع في البرية» وحتى اليمين الحريدي الذي هو الآن على خلاف مع نتنياهو بسبب قانون الحاخامات وقانون تجنيد المتدينين لم يعر هذا الخطاب أي أهمية، أما أهالي الأسرى والمعارضة وعلى رأسها يائير لابيد فقد انتقدوا نتنياهو وخطابه ووصفوه بأنه مضلل ومراوغ تجاهل تماما قضية الأسرى.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات