د.نهلا عبدالقادر المومني
الدعاية الانتخابية من أبرز مراحل العملية الانتخابية بالنظر إلى الفلسفة الكامنة من وراء إقرارها واعتبارها حقا أساسيا للمترشح وللناخب أو الناخبة في الوقت ذاته، فهي وسيلة التواصل والاتصال بين المترشحين والمترشحات وبين الجمهور المستهدف، لعرض برامجهم الانتخابية ورؤيتهم المستقبلية، والرسائل التي سيولونها الاهتمام الأبرز خلال فترة ولايتهم، والمنظومة التشريعية التي ستكون محط دراستهم ومراجعتهم وإقرارهم لإحداث تغيير في السياسات القائمة والممارسات المعمول بها.
الدعاية الانتخابية إذًا كانت وما زالت ذات تأثير على سلوك الناخبين وتوجهاتهم، هذا التأثير بفعل الدعاية الانتخابية على سلوك الناخبين هو ما دفع المنظومة التشريعية في دول العالم كافة إلى وضع تأطير قانوني لهذه المرحلة تشكل ضوابط ومحددات قادرة أن تحول قدر الإمكان دون أن تكون هذه الدعاية ذات تأثير مضلل على الإرادة الحرة للناخبين، وأن تبقى في إطار الشفافية والنزاهة والحياد، وفي الوقت ذاته أن تقلل الفوارق الناتجة عن تفاوت الإنفاق المالي بين المترشحين، والأهم أن تكون بعيدة كلّ البعد عن أي ممارسات تشكل بطبيعتها أفعالا جرمية.
المنظومة التشريعية الأردنية كانت واضحة في تحديد موعد الدعاية الانتخابية لتكون من تاريخ قبول طلب الترشح وعلى أن تنتهي قبل أربع وعشرين ساعة من اليوم المحدد للاقتراع. وفي المقابل تم منح الراغب في الترشح بعد الإعلان عن موعد الاقتراع الإفصاح عن نيته للترشح عبر منصات التواصل الاجتماعي فقط، ويحظر عليه ممارسة أي أنشطة انتخابية أو دعائية مدفوعة الأجر أو ذات كلف مالية أو تقديم أي نوع من الهبات أو المعونات أو المساعدات بعد هذا الإفصاح.
بالرغم من أن هذا النص يعد ذا مضمون جيد في إعطاء المترشح صلاحية إعلان رغبته بالترشح فقط، إلا أنه في الوقت ذاته من أكثر النصوص صعوبة في عملية ضبطها على أرض الواقع؛ حيث إن المترشحين وفي كثير من الأحيان ولدى إعلان نيتهم مارسوا نوعا من الدعاية الانتخابية، وهو ما يعد إخلالا بالقانون وفي الوقت ذاته إخلالا بمبدأ المساواة بين المترشحين والمترشحات.
مظاهر الإخلال بالضوابط القانونية للدعاية الانتخابية ذات مشهد متكرر في كل انتخابات نيابية ابتداء من مخالفة أماكن وضع الدعاية الانتخابية وتأثيرها في العديد من الأحيان على السلامة العامة، ومرورا باستعمال الأطفال في أعمال هذه الدعاية وانتهاء بالتلويح بالوعود بمكاسب مادية ومعنوية لغايات التأثير على إرادة الناخبين وغيرها الكثير.
مظاهر الإخلال هذه يقابلها تحد واقعي في صعوبة ملاحقة كافة هذه المخالفات أو معرفتها أو وصول العلم بها لاتخاذ المقتضى القانوني الأمثل، فهذا التحدي وإن تم تجريمه قانونا إلا أن المراهنة على وضع حدّ له تنبع وتصب بالدرجة الأولى من تشكيل وعي مجتمعي قادر على التصدي فكريا لأي دعاية مضللة أو مخالفة، وقادر في الوقت ذاته على أن يكون الرقيب والمحاسب الأول لمن يخالف القانون؛ فمن وجد في نفسه ما يؤهله لتولى مهمة التشريع -وهي المهمة الأسمى والأهم في أي دولة وعنوان حضارتها- يتوجب عليه أن يكون الحريص على تطبيق القانون دون اجتزاء وبعيدا عن أي اعتبارات شخصية.