أخبار حياة – يرزح الاقتصاد الإسرائيلي تحت وطأة العدوان الاسرائيلي، التي تجاوزت 10 أشهر في قطاع غزة، بينما يهدد تصاعد مخاوف تحول الصراع إلى حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط بمزيد من السيناريوهات الأشد خطورة، والتي من شأنها تفجير الاستقرار المالي لإسرائيل.
فمنذ السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي يدفع الاقتصاد الإسرائيلي فاتورة يومية باهظة لتداعيات التوترات الجيوسياسية والصراع المتفاقم، الذي استنزف خزائن الحكومة، بسبب النفقات المباشرة لتمويل آلة الحرب، إلى جانب الخسائر غير المباشرة المرتبطة بتداعياتها الأوسع نطاقاً، وبما يفاقم العبء المالي، ويعزز نظرة مستقبلية «سلبية» للاقتصاد في أتون الحرب.
وتنعكس تداعيات الصراع على الاقتصاد الإسرائيلي بطرق متعددة، حيث تأثرت القطاعات الأساسية بزيادة الأعباء المالية وتباطؤ النمو، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، والاضطرابات في الأسواق المالية، وتأثيرات النزاع على الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وجميعها عوامل تسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية، بينما ترتفع تكلفة الحرب على الميزانية، مما يؤدي إلى تزايد العجز المالي وتفاقم عبء الديون.
كلفة
وفق تقديرات «بنك إسرائيل» المركزي فإن كلفة الحرب على غزة من المتوقع وصولها إلى 255 مليار شيكل (68.4 مليار دولار)، خلال الفترة ما بين 2023 و2025. أما خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، حتى نهاية ديسمبر الماضي، فقد قدرت الكلفة المالية اليومية، التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بحوالي مليار شيكل (270 مليون دولار)، انخفضت إلى 350 مليون شيكل يومياً (بما يعادل 94 مليون دولار) في العام الجاري، طبقاً لبيانات وزارة الأمن الإسرائيلية.
وبخلاف سيناريو توسع نطاق الصراع أو امتداده لحرب شاملة، والذي قال محللون إنه «سيكون كارثياً على الاقتصاد»، تعكس التقديرات الاقتصادية الرسمية جانباً من الآفاق الاقتصادية المعتمة حال استمرار الحرب، بما في ذلك توقعات بانكماش الاقتصاد 1.5% حال استمرت الحرب حتى نهاية العام الجاري، بحسب كبير اقتصاديي وزارة المالية في إسرائيل شموئيل أبرامسون وذلك بعد أن سجل الاقتصاد انكماشاً، هو الأعلى على أساس فصلي منذ أكثر من 3 سنوات، في الربع الأخير من 2023 بنسبة 20.7%، وفق القراءة الثانية لدائرة الإحصاء الإسرائيلية.
وتتضمن التقديرات أيضاً وصول عجز الموازنة إلى 6.6% في 2024 بسبب الحرب، فيما تظهر أحدث التقارير الرسمية الصادرة قبيل أيام عن ارتفاع نسبة العجز في يوليو، ليسجل 8.1% من الناتج الإجمالي خلال 12 شهراً، وتعادل هذه النسبة ما قيمته 155.2 مليار شيكل (47.1 مليار دولار)، وفق أحدث تقارير المحاسبة العامة لوزارة المالية الإسرائيلية.
وهو ما يمثل أعلى مستوى منذ عقدين، في خط متوازٍ مع تزايد كلفة الحرب المستمرة. وهذا يعني أن العجز في الميزانية في اتساع مستمر، ما يجعل قدرة إسرائيل على تحمل كلفة الديون الناتجة لتغطية العجز، أصعب، خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة، على الدولار والشيكل معاً.
ويتجاوز الدين العام الإسرائيلي قرابة 67 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع قرابة 63 % قبل الحرب على قطاع غزة في أكتوبر الماضي. وسجل الإنفاق الحكومي نمواً منذ بداية العام بما يزيد على 300 مليار شيكل (81.72 مليار دولار)، بارتفاع 34.2% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
خسائر اقتصادية

وقال الأستاذ بقسم السياسة الخارجية والأمن العالمي في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية، بواز أتزيلي، والذي يشغل عضوية مركز الدراسات الإسرائيلية: «إن الاقتصاد الإسرائيلي تأثر بشدة، بسبب زيادة النفقات المباشرة للحرب في غزة، وعلى الحدود الشمالية، والعواقب غير المباشرة مثل تعطيل حركة النقل والتجارة.
وشدد على أن البنية العسكرية الإسرائيلية مصممة لحروب قصيرة وحاسمة، وليس حرب استنزاف طويلة مثل هذه، وكان ينبغي لقادة إسرائيل أن يأخذوا ذلك في الاعتبار»، ففي الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 36% تقريباً.
وهو ما قد يمثل وبالاً على الاقتصاد، وفق «بلومبرج»، فيما ذكرت صحيفة «جلوبز» الإسرائيلية أن تزايد الإنفاق العسكري يدفع إلى خفض ميزانية الوزارات الأخرى لتقليص العجز. ويعتقد بواز أتزيلي أن المساعدات العسكرية الأمريكية تخفف بعض هذا التأثير الاقتصادي للحرب، على الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن ليس معظم التأثير، وخاصة التأثيرات طويلة الأمد.
نظرة مستقبلية سلبية
وأمام سيل التقديرات السلبية، التي تلف الاقتصاد الإسرائيلي الغارق في تبعات الحرب، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تتبنى مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية نظرة سلبية لاقتصاد إسرائيل، آخرها مؤسسة «فيتش»، التي خفضت تصنيف إسرائيل من (A+) إلى (A) تحت وطأة تفاقم المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الحرب في غزة، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية للتصنيف عند مستوى سلبي.
وتتوقع الوكالة زيادة بنحو 1.5% من جانب الحكومة الإسرائيلية للإنفاق العسكري بشكل دائم مقارنة مع مستويات ما قبل الحرب، كما تتوقع وصول عجز الميزانية إلى 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، على أن يظل الدين أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الأمد المتوسط.
كما خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز جلوبال»، في وقت سابق أيضاً التصنيفات طويلة الأجل لإسرائيل من AA- إلى A+، وكذلك وكالة «موديز»، التي خفضت التصنيف الإسرائيلي إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية.