سامح المحاريق
يتوازى تصاعد الاهتمام بالشأن الانتخابي مع التوسع في رقعة تواجد اللافتات والمنشورات الإعلانية الخاصة بالمترشحين، الأمر الذي يجعل الموسم الانتخابي فرصةً كبيرة لأصحاب المطابع والمصممين والمطاعم وأصحاب محلات الحلويات، ويتضمن ذلك تقييمًا للنواب السابقين في بعض الجلسات التي تأتي بمعزل عن الانخراط بحماس لأحد المرشحين، أو القوائم، أو الأحزاب، وتتزايد المساهمة التقييمية السلبية في أوساط الطبقة الوسطى التي تشكل الفرع الأردني من حزب الكنبة/ الأريكة العربي الذي يعتبر فعليًا أكبر الأحزاب وأكثرها تأثيرًا بعزلته وانشغاله في شؤونه الخاصة، لأنه يترك الساحة خالية، حتى عندما تتوفر فرصة أن يعبر عن نفسه من خلال نواب يمثلون تصوراته ومصالحه في المدى البعيد.
مثل أي أردني أتيحت لي الفرصة لخوض أحاديث حول بعض النواب، النائب الأول مؤثر وشهير للغاية، وحدثني عنه صديق يعتبر من البرجوازية المتوسطة العاملة في التجارة لعقود من الزمن، وكان أن تواجد النائب في جلسة أعدت وجمعت نخبة من التجار الشباب في أحد المزارع، ووعد النائب أن يكون على تواصل مستمر معهم، وكما يخبرني الصديق، فإنه لم يكن ثمة شيء لديه يستدعي الاتصال بالنائب على المستوى الشخصي، ولكن حدث بعد الانتخابات، أن تحدث أمامه بعض الأشخاص بمشكلة بسيطة تحتاج إلى أن يستمع أحد إلى وجهة نظرهم بخصوصها، واتصل صديقي بالنائب المخضرم لأكثر من مرة، ولم يتفضل النائب بالرد، ولم يعاود الاتصال حتى اليوم، وهو لم يكن مشغولًا بصورة ضاغطة لأنني رأيته في العديد من المناسبات يستهلك الوقت من غير طائل.
النائب الآخر الذي تطرق أحدهم للحديث عنه مع صديق آخر من الطبقة العاملة، هو من النواب الشباب في عمان الشرقية، وكان أن قصده الصديق لتسويق بعض البضائع، واقتناها دعمًا له، مع علم صديقي أنه لن يحتاج إلى هذه البضاعة، وأن الشراء كان دعمًا لعمله، وعندما علم النائب أن الصديق يروج لبضائع شركة ولا يستفيد منها، عرض عليه أن يساعده بوظيفة في أحد المصانع في المنطقة.
النائب الثاني يمثل مفهوم نائب الخدمات وفقًا للشائع في المصطلح السياسي الأردني، وهذه الفئة من النواب يفترض أنها ليست الغاية من عملية التحديث السياسي، فالصورة المثالية أن يكون النائب للوطن ككل، وأن تكون قضيته هي تحسين التشريعات والإجراءات الاقتصادية ليتمكن الجميع من الحصول على وظيفة، أو أن يضغط تجاه برامج للتخفيف من أثر البطالة.
المشكلة المحتملة هي أن نتفقد نائب الخدمات الذي يعتبر نفسه قائدًا اجتماعيًا في دائرته الانتخابية، ويتحدث عن (أبناء) المنطقة أو الدائرة، ويمكنه أن يعرض مشكلة محقة توصد دونها الأبواب لسبب أو لآخر، أو يتصدى لموظف بيروقراطي، هذا في الحالة الطبيعية التي تعد جزءًا من الثقافة، وحتى عندما يسعى النائب، في ظل معطيات الثقافة المجتمعية في الأردن، لتعيين شخص من دائرته، فعادةً ما يكون ذلك الشخص من المحتاجين للعمل، وفي هذا السياق، لا يمكن الدفاع عن هذه الممارسة من الناحية المبدئية، ولكنها ما يحدث، وهو تعبير عن المشكلة الاجتماعية – الاقتصادية أكثر مما هو مبرر لها، لأن التعيينات في فترات طويلة كانت قائمة لخدمة المجتمع أكثر مما هي تعبير عن حاجات إدارية للدولة.
يجب أن يمضي التحديث السياسي لأنه سيتمكن من تقديم حلول جذرية، ويخرج السياسة من قوقعة الصالونات والمزارع والانتقاد على أساس الفردانية مقابل الفردانية في ثنائية المسؤول والمعارض، والأخير يعتبر نفسه مشروع مسؤول مقبل، والمفارقة أن المسؤول وبعد خروجه من موقعه كثيرًا ما يتحول إلى معارض، لأن المسألة قائمة على وجهات النظر، والتمارين الذهنية.
ومع أهمية التحديث، يبقى السؤال عن البديل المفترض للقيادة المجتمعية التي تماهت لفترة طويلة مع العمل النيابي، خاصة أنها ستكون قنطرة مهمة في بناء البيئة الحاضنة لفعل سياسي لا يمكن، ولا يجب، أن ينفصل على سياقات اجتماعية واقتصادية يمكن أن تعتبر خصوصية للحالة الأردنية.
بالمناسبة، وقبل أن نغادر هذه المساحة الصعبة بكل مدخلاتها الاجتماعية – السياسية، يبقى نموذج النائب الأول، غير مناسب لأي تمثيل سياسي، أو حتى اجتماعي.