العقيدة الاستهلاكية في المجتمع.. “أو كلما اشتهيت اشتريت؟”

أخبار حياة – وأنت تنظر الى حياة الكثير من الناس توشك ان تقول: نحن لسنا أمام اسلوب حياة او نمط استهلاكي اعتاد الناس.. بل ثقافة نخرت في عظم المجتمع حتى اثرت على كل مناحي حياتهم.

لقد تخطى الانسان المعاصر ثقافة كلما اشتريت اشتهيت المقولة التي قالها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لجابر بن عبدالله رضي الله عنهما عندما رأى ابن الخطاب لحمًا معلقًا في يده فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت اشتهيت لحمًا فاشتريته، فقال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت ياجابر، أما تخاف هذه الآية (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).

تخطى البعض هذا الضابط حتى اقتربنا الى ان نقول اننا امام ثقافة تصيغ شؤون كل مناحي الحياة فينا. حتى تحكمت في حياتنا الاقتصادية والاكاديمية والاجتماعية والسياسية.

أما عن التأثيرات الوخيمة التي وقعت للاقتصاد، فقد أصبحت الفلسفة الاستهلاكية هي المسيطرة؛ ليس فقط على السوق، بل وعلى الانتاج. انت تنتظر الى المجتمع الاردني كشاهد فتراه قد غرق حد رأسه بمقولات وتطبيقات نقلت المجتمع من مجتمع يأتي مما يزرع ويلبس مما يصنع إلى كيان اجتماعي خطته الاستراتجية الاستعانة بسلاسل التوريد والتجارة كقاعدة استراتيجية له. فالقاعدة اصبحت في الجدوى الاقتصادية الجافة بعيدا عن اي قواعد سياسية وأمنية استراتيجية.

كشاهد، بعد ان كانت المملكة في منتصف السيتينات تصدر فائض القمح لديها بوصفه سلعة استراتيجية صارت تستورده بالحبة.

اما عن الملف الاكاديمي فحدث عن ذلك ولا حرج. باتت نظرة السوق هي من تضبط ايقاع العلم، بدلا من العكس.

فاصبحنا نرى علوما استهلاكية انتجها السوق نفسه. وليت الامر كان كذلك بعد كانت تلك العلوم اساسا متداول.

هكذا. في كل زاية من زوايا الحياة المعاصرة قاعدة استهلاكية يصرّ الانسان المعاصر على أداء طقوسها .. طقوسها وكأنها دين.

حين يتزوجون يراعون قواعد هذه الطقوس..

حين يتكاثرون وحين يتعلمون ويشترون ويأكلون بل وحين يمرضون ويعملون في الشأن العام.. سياسة او اقتصاد..
بل وحين يمارسون الرياضة.. سيكون في تصورهم انهم لا يريدون ان يكونوا اكثر صحة.. بل اجمل.. ليعيشوا حياة استهلاكية اروع..

المسألة لم تعد فقط كلما اشتريت اشتهيت بل حولها كهنة التسويق والاعلان الى قواعد مقدسة تصارع القواعد الدينية وعند الكثيرين تصرع الأولى الاخرى..

ولأنهم يريدون ممارسة استهلاكهم أكثر جعلوا لانفسهم اعيادا استهلاكية.. يوم للأم.. ويوما للأب ويوم المعلم.. تخيلوا.. حتى يوم المعلم صار يعني هدايا له ولها.. والجمعة السوداء.. بل حتى شهر كرمضان شهر العبادة صار يعني الاستهلاك ومزيد من الاستهلاك.

الشركات الكبرى هي من اصبحت تصوغ للناس أفكارهم عن الحياة. اما التجار فهم من باتوا يحددون للعامة ماذا يرتدون.. وكيف يرتدونه. ماذا يأكلون وكيف يأكلونه.. بل ماذا يتعلمون ولماذا يتعلمونه..

والأدهى انهم ارادوا تطويع تشريعات الاسلام نفسه. يريدون ان يكون حتى الدين تابع سهل لشهواتهم الاستهلاكية..

ألم تركوا كيف صاغوا شهر رمضان..؟ كيف صار شكل العيدين.. بل صلة الرحم باتت مجبورة على الانصياع الى أوامر الاستهلاك.. صلة الرحم وشروط الزواج والعيدين والضوابط الاسلامية للعلاقات الاجتماعية .. حتى علاقة الولد بوالده مرهونة لدى البعض ضمن هذه الثقافة.

نحن لا نبالغ يا سادة.. فقط. وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم إذ قال: وَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات