الحق ضالة الإنسان

د.نهلا عبدالقادر المومني

فكرة الحق قديمة قدم الإنسان، عميقة في النفس البشرية عمق التجارب التي شكلت مضامين هذه الحياة، لكنها رغم ذلك كله تبقى ضالة الإنسان والفكرة التي أخذ البحث عنها زمنا طويلا ودُفعت من أجلها في كثير من الأحيان أثمانا باهظة وفي الوقت ذاته كانت مصدرا محتملا للتذرع بها تحقيقا لأهداف ومآرب أخرى.

من الحق نشأ القانون، فكان القانون انعكاسا لفكرة الحق في قالب الزامي، لذا بقدر ما كانت القوانين القائمة على مر التاريخ تعكس الحق بقدر ما كانت كانت كثر رسوخا وقبولا لدى الأفراد؛ إذ أنها في صورتها تلك وفي هيئتها هذه تحاكي الفطرة السليمة للإنسان، تلك الفطرة التي كانت تتلمس منذ وجودها على الأرض ما يمكن أن يجعل هذا الكون على اتساعه مكانا مشتركا في قيمه ومرتكزاته.

إعمالا لفكرة الحق وسعيا لبقائها حاضرة في التطبيق برزت عدة مبادئ في فقه القانون منها فكرة المبادئ العامة للقانون وهي مبادئ غير مكتوبة يمكن اللجوء اليها لإكمال النقص في القانون أو رفع الغموض عن بعض نصوصه؛ لذا رسُخت هذه الفكرة في القانون الدولي العام وتحديدا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الذي أكدّ على أن وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقًا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن.. مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.

ولكن قد يكون التطبيق الأمثل لهذه الفكرة وتجلياتها على المستوى الوطني الأكثر وضوحا؛ حيث كان الفكر القانوني منشغلا لدى العديد من دول العالم في الوصول إلى الحقيقة والحق في اطار تطبيق التشريعات تحسبا لأي واقعة قد لا تلتقي ونصوص القانون القائمة فيكون من نتيجتها السقوط بعيدا عن مبادئ الحق أو مبادئ العدالة والإنصاف.

لذا وجدت نماذج حية ربطت بين القانون والحق ومنها الدستور الإتحادي الألماني الذي أكد على أن السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ترتبط بالقانون والحق طبقا للدستور، هذا النص الدستوري كان الطريق المؤدي إلى بعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية الألمانية التي لم تتقيد بالنصوص الواردة في بعض القوانين لمخالفتها مبدأ الحق.

إنّ فكرة الحق والعدالة كامنة في الذات الإنسانية، وهي تشكل الإرادة المتحركة لإيصال الحق إلى صاحبه، ولا يمكن بأي حال فصل الحق والعدالة والإنصاف عن الأخلاق؛ ذلك أن العدل وعاء أخلاقي كما يقول القاضي والفقيه اللبناني عادل نعمة.

رغم ذلك كله يبقى الحق ضالة الإنسان والأمم كافة، من أجله خاضت البشرية نضالات ضاربة في الجذور لكي تبقي جذوته متقدة، وبسبب الاصرار على الاستناد إليه بعيدا عن حرفية النصوص القانونية بوصفه وعاء للعدل وللإنصاف أمسى من أكثر القضايا الفقهية القانونية تمحيصا وتدقيقا.. ولكن لو وقفنا طويلا أمام جوهر فكرة الحق والتصاقها بالفطرة السليمة للإنسان لما كانت تثير الجدل هذا كلَه لولا أن الإنسان كان أكثر شيئا جدلا.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات