خطاب الجمعية العامة.. الدلائل والمؤشرات

د.نهلا عبدالقادر المومني

يعدّ خطاب الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع والعشرين من شهر أيلول لعام 2024 وثيقة دولية قادرة على اختزال المشهد الدولي القائم حاليا في قطاع غزة وتأصيله حقوقيا وقانونيا وإنسانيا وواقعيا بصورة واضحة الدلالة والمقاصد.

ابتداء، لا بد من التأشير إلى أن الخطابات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تنطوي على أبعاد مهمة على مستوى القانون الدولي بالنظر الى أن هذا الجهاز الرئيس في الأمم المتحدة الذي تتمتع فيه الدول الاعضاء جميعها بتمثيل متساو، الأمر الذي يضع الدول جميعا أمام مسؤولياتها وأمام أيضا انتهاكاتها في اطار حقوق الانسان.

أما مضامين الخطاب الملكي فقد انطلقت في تأصيل واقع ما يحدث في قطاع غزة من حقيقة تاريخية ثابتة وهي أن الصراعات الاقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الانسانية تعصف بالمجتمع الدولي، لكن ما يجعل هذه الحقبة من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة مفصلية هو أن خطورة هذا الوضع استثنائي وينبئ باختلالات تمس المجتمع الدولي بأكمله ولا ينحصر أثرها بمناطق العدوان.

وأول هذه الاختلالات ما أشار اليه الخطاب الملكي من شرعية دولية اصبحت تُضرب في صميم وجودها وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية، ومن هجوم فعلي ومعنوي يستهدف الأمم المتحدة ذاتها، فعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي. ويستطرد جلالة الملك في الاشارة إلى الحقيقة الأكثر ايلاما والأكثر وحشية في انتهاك مضامين حقوق الإنسان وهي أن شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينين يتضورون جوعا، اضافة الى استهداف ومهاجمة عمال الإغاثة الانسانية الذين يحملون شعار الأمم المتحدة بكل فخر، مع تحد واضح لقرارات محكمة العدل الدولية وتجاهل آرائها، فلا عجب من أن الثقة في المبادئ والقيم الاساسية للامم المتحدة قد بدأت بالانهيار.. ولا يمكننا القبول بذلك، بل علينا أن ندرك ان تقويض مؤسساتنا الدولية هو أكبر تهديد يواجه أمننا العالمي اليوم وفقا لجلالته.

معضلة أخرى أساسية أشار اليها الخطاب الأممي، وطرح تساؤلًا عميقا حولها يتعلق بجوهر حقوق الإنسان وقيمها الاساسية القائمة على المساواة وعدم التمييز التي من أجلها خاضت البشرية نضالات طويلة، ومن أجلها أيضا أنشات الأمم المتحدة؛ حيث كان التساؤل موجها للدول الاعضاء على النحو الآتي: إذا لم نكن أمما متحدة بالقناعة والايمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة وأن جميع الدول متساوية امام القانون، فما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟

تساؤل عميق، يضرب في جذور كينونة حقوق الانسان وسؤال وجودها ابتداء، إنه تساؤل يتوجب قراءته في اطار ديباجة الأمم المتحدة التي تضمنت الاشارة لدى انشائها عام 1945 الى تعهد شعوب الامم المتحدة التي آلت على أنفسها ان تنقذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب التي جلبت للإنسانية أحزانا يعجز عنها الوصف.

خطاب ملكي أممي يتضمن مقاربات تاريخية وإنسانية وحقوقية وقانونية قادرة على وضع الأمور في نصابها، ووضع المجتمع الدولي امام التزاماته والتذكير بالسلطة الأخلاقية والقانونية أيضا للأمم المتحدة التي تجمع بين حناياها دول العالم أجمع، انه خطاب يستشرف المستقبل وتبعات ما يحدث اليوم على حاضر الغد، واذا كان هناك من دولة رشيدة أو آذان عاقلة لوقفت طويلا امام ما اشار اليه الخطاب من حقيقة سيلمس العالم آثارها قريبا؛ فحصانة اسرائيل التي امتدت لعقود باتت أسوأ عدو لها.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات

صدور نظام صندوق تعويض المتضررين من حوادث المركبات غير المغطاة بتأمين إلزامي… تفاصيل

أخبار حياة – صدرت في الجريدة الرسمية مساء الخميس، عدة أنظمة من بينها نظام صندوق تعويض المتضررين من حوادث المركبات غير المغطاة بتأمين إلزامي. واشتملت الجريدة على نظام التنظيم

إقرأ المزيد »