سائد كراجةسائد كراجة
سيُعتمد السابع من اكتوبر تقويما جديدا في فضاء السياسة، فإن العالم بعد هذا التاريخ ليس كما كان قبله، ورغم أن الوقت مبكر للوقوف على ملامح العالم ما بعد الطوفان، لكن بعضها تشكل وبعضها كشف الطوفان عن تشكلها منذ زمنٍ وتحت أعيننا، فقد بات انهيار المنظومة السياسية العربية الرسمية واضحا، بمعنى انهيار موقف عربي موحد، حيث تحولت الدول العربية إلى كيانات منعزلة تتعامل مع المحيط -وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية- بناء على ارتباطاتها الدولية ومصالح وجود أنظمتها، بعيدا عن خطاب وحدة الدم والمصير الذي نشأنا عليه، يستثنى من ذلك موقف الأردن منفردا وعلى نحو متعارض في كثير من الأحيان مع ارتباطاته ومصالحه الاقتصادية والسياسية، وقد دفع وقد يدفع في المستقبل ثمن هذا الموقف المبدئي العروبي الأخلاقي.
كما وبات واضحا أيضا فشل المنظومة الإسلامية، وتهافت خطابها «الإسلاموي»، وقد تيقن للشاهد المتابع أن هذه «الأمة الإسلامية» يفرق بين مذاهبها عداء أعمق بكثير من عدائها المزعوم للحركة الصهيونية ولدولة إسرائيل، وهي منظومة كلامية خطابية ألبست أنظمتها «الحجاب»، وشغلت الناس وأشغلتهم بخطاب اختلاف المذاهب في الأصول والفروع على حساب تأسيس رؤية حضارية حديثة تنتقل بالناس من حالة ذلك العداء المذهبي إلى حالة بناء أمة ودول متفقة على الأصول ومتعاونة على إعمار الأرض كما يقول خطابها!
يمكننا -وبكل أسف- إعلان انهيار منظومة القانون الدولي وحقوق الإنسان ومؤسساتها، وتهاون وعجز منظمات المجتمع الدولي التي تحولت إلى منظمات «إسعاف» تساهم بصمتها في تدمير الإنسان، ثم ترسل حملات الإغاثة لإنقاذه، وقد عجزت منظمات المجتمع الدولي عن إيصال حتى تلك الحملات لأهل غزة!
كما وانعدمت الحكمة عند جميع الفصائل الفلسطينية، التي فشلت في حالة الحرب كما فشلت في حالة « السلم» سابقا في خلق خطاب سياسي فلسطيني موحد يتجاوز حالة التمسك بالتمثيل على حساب التحرير، خطاب قادر على تحويل تنوع رؤاه الأيديولوجية وتحالفاته الدولية المختلفة إلى عامل إثراء ومناورة في المجال العربي والدولي لتحقيق آمال الفلسطيني بالتحرير والانعتاق! لكن بين الركام وجثث الأطفال الذين ماتوا خوفا وجوعا ومرضا قبل أن تمزق القنابل أجسادهم، نهض الشعب الفلسطيني يعلن مقاومته للمشروع الصهيوني بالتمسك بأرضه وتعرية إجرام الصهيوني باستعداد غير مسبوق للتضحية والفداء لفت نظر العالم، وكشف وحشية الصهيوني ومن يدعمه ويمده بالسلاح.
نهض الشعب العربي وخاصة جيل الشباب العربي مقاوما بالصوت والمقاطعة الاقتصادية والاتصال بالعالم، وأعلن فهما عميقا للحركة الصهيونية باعتبارها حركة استعمارية عنصرية أوهمت العرب لعقود بالسلام الكاذب وهي تخطط لقضم الأرض وتهجير السكان.
نهض جيل شباب عالمي، تجاوز المحظورات في مناهضة إسرائيل العنصرية، تظاهر في الجامعات والشوارع، وهذا هو جيل حكام أميركا وأوروبا القادم.
نهضت ومن بين الركام دولة جنوب أفريقيا وتزعمت العالم الحر والقيم الأنسانية، وقادت العالم والمنظمات الدولية لنصرة الحق والعدل وحقوق الإنسان أمام محكمة العدل الدولية.
في عز جبروت دولة جنوب أفريقيا العنصرية ما كنا لنتصور أن يُرفع عنها الغطاء العالمي، وتعزل وتنهار بين ليلة وضحاها ملطخة بتعصبها وعنصريتها، ثم بعد ذلك ينبثق من رمادها دولة حرة تقود اليوم العالم الحر.
وفي عز جبروت إسرائيل الهمجي المدعوم بسياسة الهيمنة الأميركية الاستعمارية ومع كل الألم والحزن والكمد الذي نعيشه ومع كل العناء النفسي الذي يأكل ذواتنا بسبب إحساس العجز وقلة الحيلة، ما يزال -وبالرغم عن كل ذلك- الأمل قائما في جيل شباب فلسطيني عربي عالمي سيصنع مشروعا تحرريا يتجاوز كل المنظومات المنهارة، مشروع عربي إنساني تنويري عالمي، سينشأ جيل سيراكم على المواقف المشرفة للحركة الشعبية العربية والعالمية وعلى تحرك الدول التي تبنت قيادة القانون الدولي والضمير العالمي في جهد تراكمي عربي حضاري إنساني سيحدث الفرق ويخلق نقطة انهيار للمشروع الصهيوني الأميركي، وإن غدا لناظره قريب جنابكم!