سيناريو الضفة الغربية أخطر من غزة!

بلال العبويني

في غزة؛ قتل وتدمير وتجويع؛ وهو عدوان واضح العنوان والمآلات.

غير أن الخطورة الكبرى على القضية الفلسطينية تكمن في الضفة الغربية وما يقوم به الاحتلال من فرض واقع جيوسياسي وديموغرافي له ما بعده.

تأصيلا لذلك؛ فإن حركة السوق تعتمد في الضفة الغربية على العمالة الفلسطينية التي تعمل داخل الخط الأخضر؛ ومستوى دخل الفرد هناك أعلى من نظيره ممن يعمل داخل الضفة الغربية.

وهؤلاء منعوا من دخول المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ بعد السابع من أكتوبر، وانضموا ليتقاسموا فرص العمل داخل الضفة؛ وبالتالي تراجع مستوى الدخل اليومي بالنسبة إليهم وتراجعت حركة السوق والقدرة الشرائية فضلا عن انضمام بعضهم لصفوف البطالة أو الانقطاع الجزئي عن العمل.

في الدرجة الثانية من عمال الضفة الغربية من يعملون بمؤسسات السلطة الفلسطينية وهؤلاء منذ سنوات لا يتقاضون رواتبهم كاملة بل تصل نسبة الخصم الشهري إلى ٥٠ في المئة من الراتب.

ثم من يعمل بالزراعة في الضفة الغربية عددهم محدود، فضلا عن سيطرة الاحتلال على المعابر وعلى كل ما يدخل أو يخرج من الضفة.

أخيرا، من يعملون بالقطاع الخاص والتجارة البينية؛ وهؤلاء يعانون من ركود السوق وضعف القدرة الشرائية للأسباب السابقة.

يعني ذلك أن فلسطينيي الضفة الغربية يعانون من حصار وأوضاع اقتصادية خانقة تجعلهم أمام خيارين الأول الصمود فيما الثاني “الهجرة القسرية” تحت مسمى “الطوعية” بحثا عن مستوى حياة افضل؛ وهذا ما يؤشر صراحة إلى مشروع إسرائيل لتفريغ الأرض من سكانها وتحقيق النص التوراتي المزعوم بيهودا والسامرا؛ وانسجاما مع قول ترامب عندما تحدث عن صغر حجم مساحة إسرائيل.

السؤال المهم هنا، أين ستكون وجهة أهل الضفة الغربية إن نجح الاسرائيليون بمخطط التهجير “الناعم”؟.

من دون شك ستكون الوجهة للأردن لاعتبارات عدة أهمها:

أولا: تقول الأرقام، إن صدقت، إن نحو 800 ألف شخص يحملون الجنسية الأردنية يعيشون في الضفة الغربية، ما يعني منطقيا أن الأردن ستكون أولى الوجهات التي سيلجأون إليها.

ثانيا: أن الأردن الأقرب جغرافيا للضفة الغربية وهي الأكثر تشابكا معها اجتماعيا بشكل مباشر ومحدد.

ثالثا : أن ابن الضفة قد يرغب باللجوء إلى دولة ثالثة؛ لكن أقرب أمثلة التاريخ لجوء السوريين الذين انتهى المطاف بالغالبية منهم الاستقرار في الأردن وعدم تمكنهم من تحقيق مرادهم باللجوء إلى دولة ثالثة.

هنا قد نفهم الموقف الرسمي الأردني من أن تهجير فلسطينيي الضفة الغربية نحو الأردن يدخل في سياق إعلان الحرب؛ لاعتبارين :

الأول: أن أثره سيكون بالغا على الموارد والديموغرافيا الأردنية وهو ما يعيد طروحات الخيار الأردني.

فيما الثاني سيعني تصفية القضية الفلسطينية ما سيؤدي بالنهاية إلى الخيار الأردني وانهاء الوصاية على المقدسات المسيحية والإسلامية بالقدس التي ستدخل قضيتها في نفق التهويد انسجاما مع قانون يهودية الدولة أو قومية الدولة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 2018.

يهودية الدولة يعني أن كل من هو على أرض “إسرائيل” يجب أن يكون يهوديا؛ وهو ما قد يجبر فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 في لحظة سياسية ما للهجرة أو للتهجير بشكل أدق.

 بطبيعة الحال الضفة الغربية التي تعاني وفقا لما قلناه سابقا لن تكون خيارا مثاليا لينزح إليه فلسطينيو عام 48؛ بل قد تكون الأردن الملاذ، ويدعم هذا طروحات اليمين الإسرائيلي المتطرف حيال يهودا والسامرا. عندئذ نتحدث عن تهجير عدد كبير من الفلسطينيين وليس فقط من يحملون الجنسية الأردنية والرقم الوطني.

إذن؛ الوضع خطير في الضفة الغربية؛ وقد يكون في ظل هكذا سياقات مع ما نشهده من عدوان المستوطنين اليومي ووضع أيديهم  للسيطرة على مساحات من أراضي العام 1967 أخطر مما يجري في غزة رغم حجم الإجرام الذي يرتكبه الاحتلال في القطاع منذ عام.

ولعل المعركة الكبرى يجب أن تكون في مناطق الـ 67  باعتبار أن الضفة هي العنوان الأبرز إما لتصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الأردن وإما أن تكون عنوان الصمود الحقيقي والتشبث بالأرض رغم صعوبة المعركة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، في ظل واقع عربي مؤلم وانحياز دولي مخز.

الإسرائيلي فعّل استراتيجية الأمر الواقع وتوسع بها منذ الربيع العربي الذي غيّب الضوء عن القضية الفلسطينية، وكانت النتيجة إعلان صفقة القرن، وما تلاه من حديث عن السلام الاقتصادي.

واليوم يعمل الاحتلال على فرض واقع سياسي جديد تنخفض فيه سقوف السياسي الفلسطيني والعربي؛ لينطلق قطار التفاوض من جديد ومن النقطة والسقف الذي ستحدده تل أبيب بتعاون ودعم واشنطن التي كان يطلق عليها يوما ما أنها راعية وضامنة لـ “السلام”.

الأمر خطير على القضية الفلسطينية برمتها، ولا أظن أن الواقع العربي بما شهدناه من ضعف وهوان منذ السابع من أكتوبر 2023 جاهز لمواجهته أو حتى لديه القدرة في التفكير بمشروع سياسي بديل عن حل الدولتين الذي أصبح منذ زمن ذكر بعد أثر.

لذلك، يمكن القول إن الأردن قرأ ذلك مبكرا عندما تحدث عن أن التهجير سيكون إعلان حرب.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات