سائد كراجة
الشرط الأول لفهم الأعداء هو فهم الذات، ويبدو أن جهلنا بذواتنا ساهم إلى درجة كبيرة في عدم فهمنا لأعدائنا. ستقول كيف ذلك وحالة العداوة بين العرب و “اليهود” وبعد ذلك حالة العداوة بين العرب والمسلمين والصهيونية معروفة وممتدة منذ العهد النبوي وما تزال مستمرة. يرد الدكتور فوزي البدوي التونسي المختص في اليهود والصهيونية ويقول إن أهم الدراسات الإسلامية والدراسات في العلاقة بين اليهودية والإسلام تصدر عن مثلث من الجامعات الغربية: جامعة برنستون في أميركا، وجامعة أكسفورد في بريطانيا، والجامعة العبرية التي أسست عام 1925 أي قبل إقامة دولة إسرائيل، ويضيف في حين أنه كان هناك في أحد الأوقات 3 مراكز عربية متخصصة في دراسة الصهيونية، كان هناك أكثر من 95 مركزا صهيونيا لدراسة العالم العربي والإسلامي!
من أهم النتائج السلبية لغياب فهم عميق وحقيقي للصهيونية هي مغامرة السلام مع إسرائيل ومعاهدات السلام التي وقعت معها، فعلى سبيل المثال؛ كنا نعتقد في الأردن أن اتفاقية السلام هي ما سيقينا من الأطماع الصهيونية ورتبنا اقتصادنا وسياستنا الخارجية وتحالفاتنا على هذا الأساس، وقد يكون لهذا التوجه السياسي مبرراته وقتئذ وخاصة وقد سبقنا النظام المصري والنظام الفلسطيني لهذا السلام، وعلى نحو كان فيه تجاوز واستثناء للأردن.
الآن وصلنا للحظة الحقيقة التي تقول إن دولة إسرائيل دولة عنصرية استعمارية توسعية تبدي في عقيدتها الدينية والسياسية “العلمانية” توافق على استهداف الأردن جغرافيا وديموغرافيا ودستوريا، وقد كشفت إسرائيل عن وجه استعماري عنصري قديم، ولكننا -ومعنا كل العرب- ولأسباب كثيرة قررنا أن نتجاهل ما هو أمامنا.
علينا في الأردن وبعقل بارد مراجعة مرتكزاتنا في التعامل مع العدو الصهيوني، ومن ورائه أميركا. يجب أن نقدم رؤية جديدة لموقف الأردن، وصياغته في سردية عامة، والعمل على تكريسه ونشره محليا. كما ينبغي اعتماد هذا السرد رؤية وطنية تتوافق عليها الحكومات والأحزاب وفاعلي المجتمع المدني والمثقفين وقادة الرأي.
في علاقتنا مع أميركا، علينا أن نتعلم من طبيعة علاقتها مع إسرائيل.-أعلم أنه ليس لدينا اللوبي نفسه الذي يدعم إسرائيل في أميركا- ولكن باعتبار أميركا نظاما يؤمن في الصفقات السياسية فإن هذا يفسح لك المجال لتحسين “صفقات” التعامل معها، ببساطة وحتى نصل مرحلة نستطيع فيها الانفكاك عن هذا العلاقة الاعتمادية مع أميركا، فإن بإمكاننا تعديل شروط تلك العلاقة أو على الأقل طرح التفاوض حول جوانبها لأن أميركا تحتاجنا في المنطقة كما نحتاج مساعداتها.
من ناحية الجبهة الداخلية، يُعتبر وضوح العدو الخارجي الذي يهددنا جميعا هو العنصر الأهم في تماسكها. يتماسك الشعب أكثر عندما يواجه تهديدا من عدو خارجي. وهذا الأمر يتطلب تعميم مرتكزات الخطاب الأردني على المستوى الدولي محليا، والذي نجح دوليا في وضع مرتكزات أساسية في التعامل مع الخطاب الصهيوني أهمها تعرية الكيان الصهويني باعتباره كيانا عنصريا توسعيا يستهدف الأردن وغيره من الدول العربية.
علاوة على ذلك، يجب أن تراجع الأحزاب خطابها السياسي، سواء الداخلي أو الخارجي، وأن تتوافق مع محددات وإمكانيات الأردن كدولة وكنظام وكشعب.
الخطوة الأولى نحو النصر هي أن تملك رؤية واقعية تعلم مدى إمكانيات البلاد، ليس لتبرير التنازلات، بل كمقدمة عقلانية ومنطقية، حتى لا نقفز إلى المجهول، ولا نعرض استقرار الأردن- لا سمح الله- وصموده أمام دعوات الفوضى والشعبوية.
الأحزاب مطالبة بتجديد خطاباتها وترك مسرح – إحنا كنا صح وانتو غلط – وتقديم خطاب متماسك موضوعي واقعي قائم على معرفة حقيقية للأعداء والمخاطر التي تحيط بنا، وعلى تقدير وفهم حقيقي لمصالح الأردن العليا.
وآخر دعواي على المستوى الفكري والمعرفي هي إنشاء معهد متخصص في الأردن للدراسات الصهيونية اليوم قبل غدا، وهذا ليس ترفا فكريا أبدا، بل هذا من أهم مقومات المقاومة والدفاع عن الأردن في وقتنا هذا.