المشروع العربي المفقود

سائد كراجة

بعد ثمانمائة عام من اتباع المذهب السني، نقل صفي الدين الحلي الأردبيلي الصوفي إيران رسميا للمذهب الشيعي، وفي سعيه للبحث عن مشروعية تاريخية ذهب إلى استرجاع الصحابي سلمان الفارسي وموقفه الداعم آنذاك لتولي الإمام علي الخلافة بعد الرسول عليه السلام ، لا بل وجد في زوجة الإمام الحسين شهربانور. ابنة كسرى التي أسرها المسلمون الفاتحون أيام عمر بن الخطاب، وتزوجها الإمام الحسين، وابنها أحد الأئمة الاثني عشر الإمام السجاد وجد فيها مشروعية مصاهرة تربطه بالمذهب الشيعي الإمامي.

ومنذ ذلك الحين ومنذ القرن السادس عشر والمذهب الشيعي هو المذهب الرسمي في إيران، علما بأن الصفويين هم أتراك وليسوا فرساً. دستور إيران الحديث في المادة الرابعة عشرة التي تنص «الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى مدى الدهر غير قابلة للتغيير، والدستور. يعترف بالمذاهب الأخرى والمدارس الإسلامية، وكذلك بالأقليات غير المسلمة اليهودية والمسيحية والزرادشتية!

في العودة إلى سبب تحويل إيران للمذهب الشيعي، فإنه سياسي بحت والهدف منه عدم تصادم الدولة الصفوية الناشئة مع الإمبراطورية العثمانية السنية، وتبرير وجود خليفتين للمسلمين في الوقت ذاته، ودليل ذلك أن تحول الإيرانيين إلى المذهب الشيعي كان بالسيف والإكراه من الدولة الصفوية، وهذا أمر أيضا قام به المذهب السني في أنحاء مختلفة في أرض المسلمين وأكثر من مرة. بعيدا عن إيمان العوام الصادق فإن الدولة الحيّة هي أي دولة لها مشروعها، وهذا المشروع، وإن غلفه أي خطاب ديني أو سياسي فان المصلحة هدفه الأعلى والحفاظ على النظام والدستور هي غاية أي دولة حديثة كانت أم قديمة! لقد تغلف الغرب في علاقته مع دول المنطقة بغلاف حقوق الإنسان والتحديث ونشر الديمقراطية، وقد كشفت الدول الغربية وأميركا عن وجهها الحقيقي الاستعماري الداعم لإقامة المشروع الصهيوني.

غاية القول، ومن الناحية النظرية السياسية فإن العيب في الدولة هو غياب مشروع لها، ولا يعيبها إن كانت وراء مشروع ما تحاول تحقيقه ذاتيا أو مع تحالفاتها الدولية المتاحة لها.

في العالم العربي ظنت دولنا المستقلة عن الاستعمار الغربي في الشرق العربي وكذلك في العالم العربي الغنية منها أو الفقيرة أن تقوقعها في دول منعزلة نجاة لها، وذهبت في تكاملها الاقتصادي والسياسي مع المستعمر الذي رحل عنها عسكريا، وبقي في تلافيف وحدها اقتصاديا وسياسيا، وقد ثبت اليوم بالوجه الشرعي أن التحالف مع الاستعمار يربط مستقبل وجودك مع العدم.

أفهم قول المتنبي «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ليس من صداقته بد»، لكن هذا يجب أن تكون صداقة مؤقتة إلى حين امتلاك القدرة على الاستقلال والانعتاق، وأعرف أن مشاريعنا العربية السابقة بنيت على قادة ملهمين، وليس على شعوب حية مشاركة في الحكم. ولكن في نهضة الأمة والشعوب ليس هناك من وقت غير مناسب لإعادة بناء مشروع للدولة العربية قائم على وحدة المصالح الاقتصادية والسياسية للوطن العربي.

العيب ليس في وجود مشروع لإيران وهي في سبيل مصالحها قد تكون جاهزة للعودة إلى المذهب السني. العيب في غياب مشروع تكاملي اقتصادي سياسي اجتماعي ثقافي. أليس كذلك جنابك؟

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات