الحد الأدنى للأجور.. الخطوة الضرورية واستراتيجيات احتواء الأثر

سامح المحاريق

مضت المداولات حول رفع الحد الأدنى للأجور بصورة جيدة من حيث المبدأ، على الرغم من أن سقف الرفع الذي يدور حوله الحديث ليس مرضيًا للعاملين في العديد من القطاعات، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة الذي شهدته الأردن في السنوات الأخيرة، ووجود افتراض أن الحد القائم كان كافيًا من الأساس عندما تم إقراره قبل سنوات، وأنه يعالج الفجوة بين الأجور في حدها الأدنى، وتكلفة المعيشة المتزايدة، وهو الأمر الذي ليس صحيحًا.

التقدم في التفاوض تعرقله آراء القطاع الصناعي الذي يرى أن هذه الزيادة ستؤثر سلبيًا على أعماله بما تشكله من تكلفة إضافية على مدخلات الإنتاج، ويؤدي إلى تراجع تنافسية القطاع التي شهدت تراجعًا كبيرًا في العقود الأخيرة مع الانفتاح على اتفاقيات التجارة العالمية والثنائية، وترجع مخاوف الصناعيين إلى أن معظم العاملين في خطوط الإنتاج يتقاضون الحد الأدنى، وأي تحريك سيشكل نسبة كبيرة من بند الأجور المدفوعة.

من جانبها تظهر الحكومة في موقف حيادي وغير متحيز، فمن ناحية لها مصلحة مع القطاعات الصناعية وبعض القطاعات الخدمية، لأن فرق الأجور الذي يمكن تجنبه، سيصب في الربحية النهائية وحصتها الضريبية القائمة، بينما سيتوجه فرق الأجور إلى أعداد كبيرة من العاملين غير الخاضعين للضريبة لأن دخولهم تقع في الفئات المعفاة، وفي المقابل، توجد مصلحة أخرى، من أجل تعزيز السيولة في السوق، وتحقيق بعض الآثار الاجتماعية الايجابية لدى قطاع واسع من المواطنين الأردنيين.

تبدو معاناة القطاع الصناعي مفهومة، ليس في الأردن وحده بالمناسبة، فهي مشابهة في جوهرها، ومختلفة بطبيعة الحال في حجمها لأزمة تعانيها دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى إعادة توطين الصناعات لديها لتوفير فرص العمل وتحسين ظروف الكتلة العمالية، ويبدو أن دولا أخرى كثيرة ستتخذ اجراءات مشابهة مع الوقت لاحتواء أثر غزو البضائع الصينية الرخيصة التي أدت إلى تراجع القطاعات الصناعية المحلية في الكثير من البلدان لعدم قدرتها على المنافسة في الأسعار.

الأجيال التي عايشت مرحلة ما قبل الانفتاح على التجارة الحرة، تتذكر جيدًا صناعة الملابس الأردنية التي وصلت إلى جودة مرتفعة نسبيًا، ويتذكرون تفاصيل تراجعها الذي كان يعني أن يفقد المئات من العمال المهرة وظائفهم، ويصبح القطاع نفسه غير جاذب للعمالة، ليتراجع تجاه التجفيف، ومع استعادته مرة أخرى، كان الصناعيون يفضلون استيراد العمالة الآسيوية، التي أتت لتعيش في معسكرات إنتاجية لا تشكل فائدة للمجتمعات المحلية، بل ووجدت مشروعات تجارية تعتمد على استيراد الطعام والكثير من المستلزمات من بلدان هذه العمالة الوافدة، ليشكل ذ?ك ضغطًا على الدينار الأردني، وتبدأ حلقة جديدة من الإجراءات التي تستهدف تعزيز العملة المحلية والمحافظة على الاستقرار النقدي غير المنفصل عن الاستقرار المالي والاقتصادي.

توجد اجراءات وحلول يمكن للحكومة أن تتخذها، والمشكلة أنها جميعها بعيدة المدى، وستحمل كل منها تكلفة على بعض القطاعات، ومنها بطبيعة الحال المرتبطة باتفاقيات تجارية، وتوجد اجراءات أخرى تحتاج إلى تشاركية واسعة، ومنها تغيير بعض السلوكيات وإعادة بناء منظومة التحفيز والتمكين لفئات مجتمعية واسعة مثل الشباب تجاه استراتيجية جديدة للإنتاجية التي تراعي ظروف الأردن وميزاته وتحدياته، لا نمط الحياة التي تطلبها بعض القطاعات، وتسعى إلى مشاركة الجميع في دفع ثمنها، مثل الإقبال على منازل معينة، وسيارات بعينها، وممارسات اجتماعي? مكلفة وغير ضرورية.

تضررت الأردن من التحولات الاقتصادية العالمية خلال العقود الأخيرة، ولا يجب إهمال السياق الكلي عند الحديث عن تفاصيل تترك أثرًا على الأفراد الذين يشكلون المحرك الأساسي للسوق ويحتفظون بحيويته، وعلى الجميع أن يتحملوا حصتهم من التضحية، والحكومة في ظل المشهد القائم، ليس أمامها سوى تعويض القطاع الصناعي بصورة مدروسة، لأن الأرقام وحدها يمكن أن تحمل نتيجة معاكسة على الرغم من تقدمها في منحنى معين، وكما تقع بعض الشركات في فخ الربحية فتقوم بضغط مصاريف التطوير والصيانة لتجد نفسها في وسط أزمة مفاجئة، على الحكومة أن تتجنب ?ذه الفخاخ، وأن تفكر في صحة وسلامة الأسواق لأنها المحرك الذي أصبحت حالته مقلقة لدى تأمله والاستماع للاعبين الرئيسيين داخله من منتجين ومستهلكين.

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات

إجلاء 249 أردنيا من غزة

أخبار حياة – أعلنت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، الخميس، أنه وتنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، سيرت المملكة الأردنية الهاشمية طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي الأردني، إلى

إقرأ المزيد »