أخبار حياة – تتصاعد الآن المواجهة بين شركات الطيران ومجموعات الطاقة حول إنتاج وقود الهواء المستدام وتعطيل التحول إلى صافي الانبعاثات الصفري. وتشكو شركات الطيران من أن وقود الطيران المستدام (SAF) مكلف للغاية ولا يتم إنتاجه بشكل كافٍ.
لكن شركات الطاقة تبقى مترددة في الاستثمار في المزيد من الإنتاج حتى تتأكد من وجود طلب طويلة الأجل.
ووقود الطيران المستدام (SAF) هو مصطلح واسع يغطي وقود الطائرات غير المصنوع من الوقود الأحفوري. ويتم تصنيع كل الوقود تقريباً من مواد عضوية، بما في ذلك المحاصيل والدهون الحيوانية وزيت الطهي المستعمل.
واعتماداً على المادة المستخدمة، يمكن تقليل صافي انبعاثات الكربون الناتجة عن الطيران بنسبة تتراوح بين 60 % و90 %. لكن ذلك يكلف مرتين إلى ثلاث مرات أكثر من وقود الطائرات القياسي.
ويزداد الوضع أهمية بالنسبة لشركات الطيران، التي ليس لديها سوى القليل من البدائل لخفض انبعاثاتها. ويشكل الطيران نحو 2.5 % من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وفي بداية هذا العام، دخلت القواعد حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مما أجبر شركات الطيران على شراء وقود الطيران المستدام مقابل 2 % على الأقل من إجمالي استهلاكها للوقود. وفي الاتحاد الأوروبي، ترتفع هذه النسبة إلى 6 % في غضون خمس سنوات، ثم إلى 70 % بحلول عام 2050.
وفي المملكة المتحدة سترتفع النسبة إلى 10 % بحلول عام 2030، و22 % العام 2040. لكن عدم اليقين بشأن مستقبل وقود الطيران المستدام دفع العديد من شركات الطاقة إلى تقليص خططها الاستثمارية.
وفي يوليو الماضي، أوقفت شركة شل مؤقتاً بناء محطة للوقود المستدام ومحطة ديزل متجدد في روتردام، والتي كانت حصلت على الضوء الأخضر في عام 2021، عندما كان للسوق توقعات أكثر تفاؤلاً.
وفي عام 2023، كان 0.2 % فقط من إجمالي وقود الطائرات من وقود الطيران المستدام، وذلك وفقاً للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا).
ومن بين شركات النفط الكبرى، تستثمر مجموعة إيني الإيطالية في الوقود، لكنها في الوقت نفسه تقوم بالتحوط في رهاناتها، لذلك قامت بتحويل مصفاة قديمة للنفط والغاز إلى «مصفاة حيوية» يمكنها إنتاج كل من الوقود المستدام والديزل المتجدد في مدينة جيلا بجنوب صقلية.
وعند الوصول إلى مرحلة الإنتاج الكامل، يمكن للمصفاة إنتاج ما يكفي من وقود الطيران المستدام لتوفير ما يقرب من ثلث الوقود الذي تفرض المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على شركات الطيران استخدامه هذا العام – 400 ألف طن سنوياً، أو 3 ملايين برميل.
وقال ستيفانو باليستا، الرئيس التنفيذي لشركة إنيليف، التي تدير المصفاة، إن هذا يجعلها ثاني أكبر منشأة في أوروبا. لكنه أوضح أن المصفاة لن تنتج إلا حسب الطلب، قائلاً: «سنتابع تطور الطلب في السوق». وتخطط إيني لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى مليون طن سنوياً بحلول عام 2026.
وأضاف باليستا: «على المدى المتوسط، نرى طلباً على وقود الطيران المستدام بين 15 إلى 20 مليون طن. وهناك أولاً، الإجراءات التنظيمية للاتحاد الأوروبي، لكن النقل أيضاً هو أحد أسرع الزيادات في الطلب على الطاقة التي نشهدها».
ويمكن لمصفاة «جيلا» استخدام نصف طاقتها لإنتاج وقود الطيران المستدام، لكن يمكن أيضاً أن يكون الإنتاج صفراً. حيث يم تعديل مستوى الإنتاج على أساس يومي.
ومع ذلك، من المتوقع مع مرور الوقت أن يتم إنتاج المزيد من وقود الطيران المستدام، فيما الطلب على الديزل المتجدد سينخفض بسبب تزايد حصة السيارات الكهربائية. أما شركات الطيران فليس لديها بدائل أخرى على المدى القصير إذا أرادت خفض انبعاثاتها الكربونية.
وبالنسبة للأنواع الأخرى من وقود الطيران المستدام ذات صافي الانبعاثات الصافية المنخفض، خاصة الوقود المصنوع من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون، فهي أكثر تكلفة. ويتم إنتاجها أيضاً بكميات أقل إلى حد كبير بواسطة شركات متخصصة.
وتعتمد خطة صافي الانبعاثات الصفرية لصناعة الطيران العالمية على وقود الطيران المستدام لتحقيق 65 % من التخفيض بمستوى الانبعاثات، مع إصدار شركات الطيران الأوروبية تحذيرات بشأن مخاطر عدم تحقيق هذا الهدف.
واعتبرت خارطة طريق صافي الانبعاثات الصفرية التي نشرتها هذا الشهر 5 هيئات تجارية في مجال الطيران الاعتماد المتزايد على شركات الطاقة لتوفير وقود الطيران المستدام «خطراً كبيراً»، خاصة أن التقنيات الأخرى مثل الطائرات الكهربائية لا تزال في مرحلة أولية تماماً، في حين تم خلال الشهر الجاري تقليص التوقعات كثيراً فيما يخص طائرات الهيدروجين من قبل إيرباص وبعض شركات الطيران.
وقالت ماري أوينز تومسن، كبيرة الاقتصاديين في «إياتا»: «لا أرى أي اهتمام من شركات النفط الكبرى بفعل أي شيء حيال ذلك»، في إشارة إلى متطلبات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن وقود الطيران المستدام.. لقد ضغطوا جميعاً على زر الإيقاف المؤقت».
وأضافت: «لقد اشترت شركات الطيران جميع كميات وقود الطيران المستدام التي تم إنتاجها وشركات الطيران يبقى لديها طلب.
أي أن السوق مقيدة بسبب العرض وليس بسبب الطلب». وأردفت: «لا يوجد وقود طيران مستدام. إذن أنت الآن في سوق بدون المنتج، وأنت تكلف الشركات بصنع هذا المنتج، لكن من الواضح أنها لا تريد صنعه.
وإذا افترضنا، من الناحية النظرية، أنك تحقق ربحاً صافياً بنسبة 5 % من وقود الطيران المستدام فيما تحقق 20 % من الوقود الأحفوري، فماذا ستفعل حينها؟».
ويتمتع وقود الطيران المستدام بميزة على التقنيات المستدامة الأخرى حيث يمكن استخدامه في المحركات النفاثة الموجودة. وحسبما يشير ستيفانو باليستا: «يجب أن نضع في اعتبارنا أننا مع وقود الطيران المستدام سنستخدم نفس الطائرات ونفس الخدمات اللوجستية ونفس البنية التحتية.
وبالتالي فإن التكلفة هنا لن تتغير. ومن خلال هذا المنظور، يعتبر وضع التكلفة قوياً جداً، مقارنة بالبدائل الأخرى. إذن الشكوى الحقيقية تتعلق بالسعر.
لأن هناك ما يكفي من وقود الطيران المستدام. إذن شركات الطيران هي التي لا تريد الدفع». وأشارت ماري أوينز تومسن من «إياتا» إلى أن شركات الطيران، التي توسعت ميزانياتها العمومية بسبب سنوات من انقطاع السفر بسبب جائحة كوفيد19، لم تكن في وضع يسمح لها بالتوقيع على عقود طويلة الأجل لوقود الطيران المستدام، والتي يمكن أن تحفز شركات الطاقة على زيادة الإنتاج.
وقد تأتي لحظة محورية عندما تكشف دول الاتحاد الأوروبي عن العقوبات المفروضة بسبب عدم استخدام وقود الطيران المستدام. ورغم أن الكتلة حددت إطاراً للغرامات، إلا أنه لم يتم نشر المبالغ بدقة بعد.
وقد تدفع هذه الأمور السوق بطريقة أو بأخرى اعتماداً على مدى شدتها وحدتها. ويبقى التحذير من أنه إذا خفف الاتحاد الأوروبي العقوبات، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الجدوى التجارية لاستخدام وقود الطيران المستدام. البيان