هل تصبح أوروبا مجرد «مصنع تجميع» للصين؟

أخبار حياة – حذرت دراسة جديدة من أن أوروبا تواجه خطر التحول إلى مجرد «مصنع تجميع» لمصنعي البطاريات الصينيين ما لم تعتمد القارة إطاراً تنظيمياً يضمن نقل التكنولوجيا والمهارات مقابل الحصول على الدعم الحكومي.

وأشارت مجموعة النقل والبيئة، المعنية بحملات حماية البيئة، إلى أن الشراكات الحالية بين مصنعي البطاريات الصينيين وشركات السيارات الأوروبية تركز بشكل مفرط على تأمين إمدادات البطاريات على المدى القصير، دون وجود إطار تنظيمي يضمن مشاركة المعرفة، وهو ما قد يؤدي إلى مخاطر جيوسياسية وأمنية في المستقبل.

وقالت جوليا بوليسكانوفا، المديرة العليا في المجموعة: «يمكننا أن نضيع 10 – 15 عاماً أخرى في المحاولة والفشل مع شركات مثل نورثفولت، أو يمكننا الاستفادة من الخبرات المتاحة لتسريع اللحاق بالركب، تماماً كما فعلت الصين خلال العشرين عاماً الماضية».

ويأتي هذا التحذير في وقت تسعى فيه أوروبا إلى إعادة صياغة استراتيجيتها لتقليل اعتمادها على الصين من خلال بناء سلاسل توريد محلية للتقنيات الخضراء، وهي طموحات تعرضت لضربة قوية عقب انهيار شركة نورثفولت، التي كانت الأمل الأكبر للقارة في صناعة البطاريات.

ولتغطية هذا النقص، تتجه المزيد من شركات السيارات الأوروبية إلى الشراكة مع مصنعي البطاريات الصينيين لضمان إمدادات البطاريات، في ظل التوسع السريع في إنتاج السيارات الكهربائية استجابةً لمعايير الانبعاثات الأكثر صرامة.

وكانت شركة ستيلانتيس أعلنت في شهر ديسمبر الماضي عن خطط لإنشاء مصنع لبطاريات الليثيوم في إسبانيا بقيمة 4.1 مليارات يورو بالشراكة مع شركة كاتل الصينية، أكبر مُصنع للبطاريات في العالم.

ووفقاً للحكومة الإسبانية، حصل المشروع على دعم حكومي يقارب 300 مليون يورو، لكن لم يتم فرض أي شروط تتعلق بنقل التكنولوجيا أو المهارات. ورفضت «ستيلانتيس» التعليق على تفاصيل عقدها مع «كاتل».

من جهتها، تتعاون فولكسفاغن أيضاً مع شركة غوشن هاي-تك الصينية لإنشاء مصنع للبطاريات في سالزغيتر بألمانيا.

وكانت شركة السيارات الألمانية قد أصبحت أكبر مساهم في غوشن بعدما استثمرت شركتها التابعة في الصين 1.1 مليار يورو عام 2020، إلا أن دراسة النقل والبيئة أشارت إلى أن هناك القليل من عمليات نقل الملكية الفكرية أو المعرفة ضمن هذه الشراكة.

قالت فولكس فاغن إن هناك «نقلاً كبيراً للمعرفة» بين الشركاء، يتضمن مشاركة الملكية الفكرية بشكل مشترك ومنفصل، إضافة إلى تبادل الموظفين. لكن جوليا بوليسكانوفا حذرت قائلة: «بدون متطلبات أوروبية أكثر صرامة، لن نتعلم شيئاً، وسنصبح مجرد مصنع تجميع».

ووفقاً لمجموعة «النقل والبيئة»، فإن أكثر من 90 % من بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة يتم إنتاجها من قبل شركات صينية وكورية جنوبية، كما أن 40 % من مصانع إنتاج البطاريات الضخمة المؤكدة تعود لنفس الشركات الآسيوية.

في المقابل، فإنه في الولايات المتحدة، فضلت شركات السيارات الشراكة مع المصنعين الكوريين، حيث دخلت «فورد»، التي لديها أيضاً شراكة مع شركة كاتل الصينية، في مشروع مشترك مع «إس كيه»، بينما تعاونت شركة جنرال موتورز مع «سامسونغ إس دي أي».

وفي الحالات التي أبرمت فيها الشركات الأمريكية شراكات مع المصنعين الصينيين، مثل «بي واي دي»، فرضت واشنطن متطلبات لنقل المهارات والتحكم في هذه الشراكات.

وتسعى بروكسل من جانبها حالياً لإلزام الشركات الصينية بنقل الملكية الفكرية إلى الشركات الأوروبية مقابل حصولها على الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي، وتعمل على مراجعة لوائحها التنظيمية. إلا أن هذه المتطلبات لا تزال أقل صرامة بكثير مقارنة بما تفرضه الصين والولايات المتحدة.

ويأتي هذا التحذير في وقت تحاول فيه الشركات الأوروبية اللحاق بمنافسيها الآسيويين، لكنها تواجه تباطؤاً في الطلب على السيارات الكهربائية في القارة إلى جانب قيود تمويلية متزايدة.

وفي هذا السياق، كشف يان فنسنت، الرئيس التنفيذي لشركة البطاريات الفرنسية أوتوموتيف سيلز كومباني لصحيفة فاينانشال تايمز أن المشروع المشترك المدعوم من «ستيلانتيس» و«مرسيدس-بنز» و«توتال إنرجيز» أوقف خططه لتوسيع منشآته التصنيعية خارج دونكيرك إلى ألمانيا وإيطاليا بسبب تراجع الطلب على السيارات الكهربائية.

وأدّى ذلك إلى إلغاء تمويل بقيمة 4 مليارات يورو كان مخصصاً للتوسع، ما دفع الشركة إلى تأمين قرض مصرفي بقيمة 845 مليون يورو بضمان «مرسيدس» و«ستيلانتيس» لمواصلة تطوير مواقعها في دونكيرك.

وقال فنسنت: «رأينا أن السوق يتباطأ، لذلك كان علينا أن نتوخى الحذّر بشأن الاستثمارات الضخمة».

من جانبه، أشار بونو ليمانان، الرئيس التنفيذي لشركة البطاريات الفرنسية الناشئة فيركور، إلى أن تراجع الطلب على السيارات الكهربائية جعل الحصول على التمويل أكثر صعوبة.

وفي مواجهة الضغوط التمويلية التي يعاني منها القطاع، تدرس «إيه سي سي» تطوير بطارية منخفضة التكلفة تعتمد على تقنية فوسفات الحديد الليثيوم، وهي تقنية أقل تكلفة، ولكنها أقل كثافة من حيث الطاقة، وتستخدمها كاتل الصينية. لكن فنسنت حذر قائلاً: «لا يوجد يقين بشأن مدى إمكانية تحقيق ذلك».

وتتفوق الشركات الصينية الرائدة في هذا المجال بشكل كبير، فيما ركزت شركة نورثفولت وشركات البطاريات الأوروبية الأخرى حتى الآن على بطاريات النيكل والمنجنيز والكوبالت، التي تتميز بكفاءتها العالية رغم تكلفتها المرتفعة، لكنها تتطلب شحناً أقل تكراراً.

والتحدي الرئيسي الآخر الذي تواجهه الشركات الأوروبية، وفقاً لـمارك ألوشيه، المهندس السابق في قطاع السيارات والباحث في مدرسة البوليتكنيك الفرنسية، فهو إنتاج البطاريات على نطاق واسع.

ودعم ألوشيه فكرة نقل المهارات عبر كامل سلسلة القيمة في تطوير البطاريات، مشيراً إلى أن الصين فرضت متطلبات لنقل المعرفة من شركات صناعة السيارات الأوروبية التي تصنّع داخل أراضيها في مطلع القرن الحالي.

وأضاف: «التأخير كبير جداً، لكن ذلك قد يساعد الشركات الأوروبية على تسريع وتيرة نموها».

مقالات ذات صلة

شارك المقال:

الأكثر قراءة

محليات