صفوت عمارة: ليلة القدر يُعطيها الله لكل مجتهد قدر اجتهاده

أخبار حياة – قال الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إنّ اللَّه -عزَّ وجلَّ- يُعْطي المجتهد على قدر اجتهاده، والعشر الأواخر من رمضان أفضل ليالي العام، لأن فيها ليلة القدر التي نزل فيها القرآن فأصبحت خيرٌ من ألف شهرٍ، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، فالعبادة والعمل فيها أفضل من ألف شهر فيما سواها؛ أي ما يقدر بثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر، وقد بيّن العلماء أنَّ ليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان هي أفضل الليالي، وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل الأيام، وقال العلماء في الأفضلية إن ليل رمضان أفضل من ليل ذي الحجة بسبب القرآن والقيام، ونهار ذي الحجة أفضل من نهار رمضان بسبب مناسك الحج.

وتابع عمارة: أنّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان يخص العشر الأواخر من شهر رمضان عن بقية الشهر بمزيدٍ من الطاعة والعبادة؛ فكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وقد وصفت السيدة عائشة رضي اللَّه عنها، حال النبي في العشر الأواخر قائلةً: «كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم]، وفي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها قالت: «كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري]، وزاد [مسلم]: «وجدّ وشدّ المئزر»، فكان اجتهاده بمزيد من العبادة، ولا يشغله شيء عنها من أمور الحياة، والمئزر هو الإزار المعروف من الثياب، وشده كناية عن الاستعداد للعبادة، وإشارة للجد والاجتهاد، وقيل كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع.

وأكد الدكتور صفوت عمارة، أنّه ينبغي على المسلم أنّ يحرص على الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان، وأنّ يُحسن اغتنام هذه الأوقات الفاضلة، بكثرة العبادة والدعاء وقرأة القرآن اقتداءً بالنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، وفي هذا الحديث يبين النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فضل ليلة القدر، وأنَّ من أحيا هذه اللَّيلة المباركة تصديقًا باللَّه وبفضل هذه اللَّيلة، وفضل العمل فيها، وبما أعد فيها من الثواب خائفًا من عقاب تركه، مُحتسبًا جزيل الأجر غفر اللَّه له ذنوبه السابقة.

وأوضح الدكتور صفوت عمارة، أنّ أقل مدة لإحياء ليلة القدر هي أن تصلى العشاء والفجر في جماعة، وقيام يسير من الليل في التهجد وبصلاة التراويح فعن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول: «من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعةٍ فكأنما صلى الليل كله» [رواه البخاري] أي: كأنه أحيا النصف الأول من الليل بالقيام والاشتغال بالعبادة، “ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله”، أي: بانضمام ذلك النصف إليه، فكأنه أحيا نصف الليل الأخير، ويُستحب الإكثار من الدعاء بما أرشدنا به النبي صلى الله عليه وسلم بأفضل أنواع الدعاء في تلك اللّيلة، وهو: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى»؛ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: “قولى: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى» [رواة ابن ماجة وصححه الألباني]، وهذا الدعاء من جوامع الكلم، ومن دعا به حاز خيري الدنيا والآخرة.

وأوضح الدكتور صفوت عمارة، أنّه لا توجد ليلة محدده لليلة القدر، واختلف العلماء في تعيينها؛ فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، ‏وتظل الفرصة قائمة حتى آخر ليلة في رمضان لمن أراد أن يعتق نفسه من النار، وينال الفضل العظيم، والصحيح أنها في العشر الأواخر دون تعيين، لما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما، أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر» [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» [رواه البخاري]، أي: ابذلوا جهدكم وحرصكم في طلب ليلة القدر وهي في الوتر، أي: في الليالي الوترية وهي: الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون من العشر الأواخر من رمضان، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تطلب في جميع ليالي العشر أشفاعه وأوتاره، فإن كان الشهر ناقص كانت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر، وإن كان الشهر تام كانت ليلة القدر في أشفاع العشر الأواخر، وهذا يوجب علينا ‏الاجتهاد في جميع ليالي العشر. «اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين».