مقال خطير.. رح يرعبك على مستقبل اولادك

د. رامي شاهين
“الاختراق الناعم: هل النمو الرقمي في بعض الدول العربية يبني اقتصادات… أم يفتح أبوابًا للتسلل الرقمي؟”
-الجهل في إدارة النمو الرقمي قد ينذر بكارثة
-النوم الاستخباراتي الرقمي قد يكون له أثر
-ما هو تسلل الرقمي ؟
-الاردن دراسة حالة غير متزنه لنمو القطاع التقني
في الوقت الذي تتسابق فيه بعض الدول العربية لتقديم نفسها كعواصم رقمية متقدمة، وتشهد موجات من المشاريع التقنية والاستثمارات في الشركات الناشئة، يظهر تهديد جديد لا يأتي بصوت مرتفع، بل بهدوء… عبر الكود، والمنصة، والشبكة.
ما يُعرف بـ”النجاح التكنولوجي الإسرائيلي”، والذي يُروَّج له عبر مصطلح “Startup Nation”، ليس فقط نتيجة تفوق بشري أو تعليم ممتاز، بل نتيجة استراتيجية أمنية – استخباراتية – مالية مخططة بعناية.
الوحدة 8200، وهي جهاز الاستخبارات السيبراني في إسرائيل، أصبحت منجمًا لتصدير الكفاءات التقنية إلى كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، ليس من باب الريادة فقط، بل من باب التمركز والتحكم. وهنا يجعل هذا الأمر تفكير بسؤال حاسك هو أساس تطوير ؟!
هل تأخذ الدول العربية – خاصة تلك التي تتبنى التحول الرقمي بقوة – بعين الاعتبار مخاطر التسلل التقني؟
وهل تراجع بجدية من يمول شركاتها الناشئة؟ من يدير منصاتها؟ من يملك بياناتها؟ ومن يتسلل خلف واجهة التكنولوجيا؟
المخاطر التي يجب الانتباه لها:
- رأس المال الخارجي غير النزيه: كثير من الاستثمارات تأتي من صناديق مدعومة بأجندات سياسية أو أمنية، وقد تتحول إلى حصان طروادة.
- منصات غير سيادية: الاعتماد الكامل على أدوات غير عربية (برمجيات، سحابة، بنية تحتية) يجعل من البيانات مادة مكشوفة.
- تضخم وهمي في النمو الرقمي: ارتفاع أعداد الشركات الناشئة أو المستخدمين لا يعني سيادة تقنية، بل قد يكون مجرد فقاعة موجهة إعلاميًا.
- غياب منظومة الأمن الرقمي الوطني: الشركات الناشئة تدار في كثير من الأحيان بروح ريادية بلا وعي أمني، مما يجعلها أهدافًا سهلة للاختراق أو التوظيف الخارجي.
التوصيات للدول العربية المتقدمة رقميًا:
إعادة تعريف النمو الرقمي: لا يُقاس فقط بعدد الشركات، بل بمدى السيادة على البيانات والتقنيات.
إنشاء أجهزة استخبارات رقمية وطنية موازية: تراقب وتدقق في التغلغل التقني الناعم داخليًا وخارجيًا.
فرض شروط سيادية على الاستثمارات الأجنبية في القطاع التقني: لضمان عدم اختراق البنية التحتية عبر المال.
دعم منصات عربية مستقلة: في مجالات السوشيال ميديا، الخدمات السحابية، والتشفير.
تأسيس شبكات من شركات ناشئة وطنية ترتبط بأمن الدولة وليس فقط بسوق الاستثمار.
الأردن: حالة دراسة على النمو الرقمي غير المتزن
رغم الجهود الأردنية في تبني التحول الرقمي، فإن ما يحدث اليوم قد يكون نموذجًا تحذيريًا لما يسمى بـ”النمو الرقمي الكاذب”، وذلك للأسباب التالية:
- اعتماد مفرط على شركات خارجية
الاعتماد على منصات تكنولوجيا المعلومات غير وطنية (خاصة في البنية التحتية الحكومية والمعلومات الصحية والتعليمية)، يجعل من البيانات الأردنية مكشوفة ومخترقة بالقانون.
- تضخم إعلامي غير مدعوم بنتائج سيادية
الأردن يُسوَّق رقميًا أكثر مما يُبنى فعليًا. المشاريع الرقمية الحكومية قد تبدو براقة على الورق، لكنها في الحقيقة تفتقر لسيادة القرار الرقمي والبنية الأمنية الوطنية.
- غياب استراتيجية وطنية للبيانات
لا توجد منظومة متكاملة لإدارة، حماية، وتوظيف البيانات الوطنية كـ”ثروة سيادية”، مما يجعل الأردن هدفًا سهلًا للشبكات التقنية التي تسعى لجمع وتحليل البيانات الحساسة.
- تحويل القطاع التقني لسوق عمل لا مشروع وطني
الشركات الناشئة الأردنية تتحول إلى مكاتب تطوير (outsourcing) لصالح شركات أجنبية، دون أي نقل حقيقي للمعرفة أو بناء صناعة محلية متماسكة.
النمو الرقمي ليس دائمًا دليل صحة، تمامًا كالجسد المنتفخ قد يخفي ورمًا خبيثًا.
على الدول العربية الطامحة إلى التقدم أن تُوازن بين التسارع الرقمي والتحصين السيادي، لأن المستقبل لن تُحدده فقط سرعة الابتكار، بل من يملك الخيوط الخفية لما وراء الكود.
إعادة تعريف النمو الرقمي: لا يُقاس فقط بعدد الشركات أو التطبيقات، بل بمدى السيادة على البيانات والتقنيات.
إنشاء أجهزة استخبارات رقمية وطنية: تراقب وتدقق في التغلغل التقني الداخلي والخارجي.
فرض شروط سيادية على الاستثمارات الأجنبية في القطاع التقني: لحماية أمن الدولة وخصوصية المواطنين.
تحفيز تطوير منصات عربية مستقلة: وخاصة في التعليم، الدفع الإلكتروني، والإعلام الرقمي.
بناء قاعدة بيانات وطنية مركزية مؤمنة بالكامل تحت رقابة دولة، لا شركات خاصة أو أطراف دولية.
الأردن اليوم أمام خيارين:
إما أن يكون مجرد مستهلك للرقمنة، منصاته مستوردة، وبياناته مكشوفة…أو أن يلتقط اللحظة، ويعيد تعريف التحول الرقمي باعتباره مشروعًا وطنيًا للسيادة، وليس مجرد تحديث للواجهات.
المستقبل لا يرحم. وما يُبنى دون أمن وبالخيالات ، سيُهدَم من الداخل.