اقتصاد

تراجع ثقة المستهلك الأمريكي.. ناقوس خطر أم مجرد تقلبات؟

أخبار حياة – سجل مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن مؤسسة «كونفرنس بورد»، أدنى مستوياته منذ أربع سنوات، مؤكداً استمرار حالة القلق الاقتصادي لدى الأمريكيين.

فقد تراجع المؤشر إلى 93 نقطة في مارس الجاري، متجاوزاً التوقعات السلبية للمحللين، ومتراجعاً بشكل حاد عن مستوى 110 نقاط الذي سجله عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي.

وشهد مؤشر التوقعات المستقبلية هبوطاً حاداً، حيث تراجع من 75 نقطة في فبراير إلى 65 نقطة في مارس، مسجلاً أدنى مستوياته منذ عام 2013، ما يكشف عن تشاؤم عميق يسود أوساط الأمريكيين تجاه آفاق النمو الاقتصادي، وسط مخاوف متزايدة من تداعيات سياسات التعريفات الجمركية.

وفي تعليق لافت، أكدت مؤسسة «روزنبرغ للأبحاث» أن «نظرة الأسر الأمريكية للمستقبل باتت أكثر قتامة مما كانت عليه حتى في أحلك أيام ركود جائحة كوفيد».

فهل تشكل مؤشرات تراجع معنويات المستهلكين ودوائر الأعمال والمستثمرين الأخيرة خطراً حقيقياً على الاقتصاد؟

رغم كل البيانات «الناعمة» السلبية المستندة لآراء المشاركين في السوق، فإن البيانات الاقتصادية «الصلبة» لا تظهر سوى تباطؤ تدريجي طفيف، يمكن وصفه بأنه مجرد «عودة للمسار الطبيعي» بعد فترة نمو تجاوزت المعدلات المستدامة خلال السنوات الماضية.

ومنذ انتهاء موجة تصحيح أسعار الأسهم قبل أسبوعين، لم تنعكس حالة التشاؤم على سلوك المستثمرين الفعلي، فكما أشرنا، أمس، ورغم أن أحدث استطلاع لمديري الصناديق العالمية الذي أجراه «بنك أوف أمريكا» أظهر مزاجاً متشائماً للغاية.

إلا أن تدفقات رؤوس الأموال نحو صناديق الأسهم الأمريكية ما زالت قوية، ما يؤكد أن التفضيلات المعلنة شيء والسلوك الاستثماري الفعلي شيء آخر تماماً.

يجدر الذكر أن بعض المؤشرات الناعمة تتحسن بالفعل، فقد كشفت التقديرات الأولية لمؤشر مديري المشتريات الأمريكي لشهر مارس التي صدرت الاثنين، ارتفاع المؤشر المركب نقطتين كاملتين ليسجل أعلى مستوى في ثلاثة أشهر، مدفوعاً بشكل رئيسي بتحسن في قطاع الخدمات.

ورغم أن التقديرات الأولية للمؤشر ليست دقيقة تماماً – فقد جاءت قراءة الشهر الماضي النهائية أفضل بكثير من التقديرات الأولية – إلا أن هذا يؤكد أن المؤشرات الناعمة ليست جميعها سلبية.

السؤال المحوري: هل ستتحول المشاعر السلبية إلى تدهور فعلي في البيانات الاقتصادية الصلبة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمتى؟ نظرياً، تعتبر ثقة المستهلك مؤشراً استباقياً، فعندما يتوقع المستهلكون صعوبات اقتصادية، سيقلصون إنفاقهم لاحقاً، لكن هذا قد لا يحدث أبداً.

ويؤكد مايكل ويبر من كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو على أن «الناس يبالغون في تفسير قراءات استطلاعات الرأي»، فغالباً ما تكون للتغيرات الكبيرة تداعيات حقيقية، لكن التقلبات الشهرية عادة ما تكون غير مؤثرة.

ما يحدث فارقاً حقيقياً هو الانخفاض الحاد في ثقة المستهلك، كما حدث في مارس 2020، أما القراءات الأخيرة فليست سيئة بنفس الدرجة.

وتكشف بيانات مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك أن الانخفاضات الأخيرة لم تصل إلى حدة الصدمة الكبيرة التي أحدثتها جائحة «كوفيد 19»، كما أنها لم تستمر بنفس الفترة الزمنية التي شهدتها الانخفاضات السابقة لركود عامي 2001 و2007 – 2009.

غير أنه ينبغي التعامل بحذر مع هذه البيانات، فمعظم حالات الركود الحديثة (2000 و2008 و2020) نجمت عن صدمات شبه خارجية، وحدثت الانخفاضات في ثقة المستهلك التي سبقت الركود بعد أن بدأت الأسواق المالية بالفعل في التفاعل مع الأزمة، كما أن الانخفاض الحاد لا يفضي دائماً إلى ركود.

فقد شهدنا هبوطاً كبيراً خلال شهر واحد في عام 2011 بسبب مخاوف تتعلق بسقف الدين الأمريكي، ما أدى إلى تباطؤ اقتصادي دون الوصول إلى مرحلة الركود.

وتبدو العلاقة أكثر وضوحاً بين سوق الأسهم وثقة المستهلك، ففي بدايات العقد الأول من الألفية، ظهر أن الأسواق كانت تقود المشهد، وهو أمر منطقي: فالناس يشعرون بقلق أكبر تجاه الاقتصاد عندما تتراجع أداء حسابات تقاعدهم «401K».

غير أن هذه العلاقة ليست كاملة، فخلال السنوات الأخيرة – وتحديداً في الربع الأخير – بدا أن معنويات المستهلكين كانت تنبئ أحياناً بقفزات وانخفاضات في السوق، إلا أن تحديد اتجاه العلاقة السببية يظل صعباً.

وتؤكد جوانا هسو، المشرفة على استطلاع ميشيغان، أن المستويات المطلقة لثقة المستهلك ليست بأهمية اتجاهاتها: «الاتجاه هو العامل الأكثر أهمية…

فالتراجع الحاد في ثقة المستهلك الذي سبق منتصف 2022، والناجم عن الارتفاع المفاجئ في التضخم، لم يصاحبه تراجع مماثل في إنفاق المستهلكين. ومنذ منتصف 2022، بدأت الثقة في التحسن، ما انعكس على قوة إنفاق المستهلكين، رغم أن مستوى الثقة ظل دون متوسطه التاريخي».

يتعمق هذا الاستنتاج أكثر في ظل الانقسام الحزبي المتزايد في الولايات المتحدة، فمع تعايش المزيد من الأمريكيين داخل فقاعات إعلامية متباينة وازدياد تماهيهم مع «فريقهم» السياسي، أصبحوا يتلقون حقائق مختلفة ويفسرون الحقيقة الواحدة بطرق متناقضة تماماً.

وتشير ستيفاني غيشار من مجلس المؤتمر إلى أنه «يحدث دائماً تحول حزبي في بداية أي إدارة جديدة»، حيث يشهد الحزب الخاسر – الديمقراطيون في هذه الحالة – تراجعاً في ثقة المستهلك مع بداية فترة الحكم (رغم أن التباين هذا العام أكثر حدة مما كان عليه في 2021).

هذا التنامي في الاستقطاب الحزبي قد يجعل قراءات ثقة المستهلك أقل قدرة على التنبؤ بالحالة الاقتصادية، فخلال الفترة 2022 – 2024 مثلاً، أظهر الجمهوريون مشاعر سلبية حيال الاقتصاد، لكنهم استمروا في الإنفاق بسخاء.

ويبدو أن الاستقطاب الحزبي قد جعل المؤشرات الفرعية للمعنويات أقل موثوقية أيضاً، إذ يرى دومينيك وايت من مؤسسة «أبسولوت استراتيجي» أنه لم توجد أبداً علاقة استباقية حقيقية يمكن الاعتماد عليها بين التوقعات الإجمالية للمستهلكين والنمو الاقتصادي الكلي.

رغم ذلك، كانت هناك علاقة معقولة بين مكونات التوقعات الفردية والاتجاهات الاقتصادية الحالية، خاصة مكون توقعات التوظيف من استطلاع «كونفرنس بورد»، لكن حتى تلك العلاقة انهارت في السنوات الأخيرة.

تجدر الإشارة إلى أن نتائج استطلاع ميشيغان لشهر مارس أظهرت تراجعاً في التوقعات شمل مختلف الفئات العمرية ومستويات الثروة والمناطق الجغرافية، والأهم من ذلك – مختلف الانتماءات السياسية.

ويكتسب تحول المشهد أبعاداً جديدة رغم انخفاض مستوى استياء الجمهوريين إجمالاً، حيث بدأ هذا الاستياء يأخذ منحى تصاعدياً، بالتزامن مع تراجع ملموس في ثقة الناخبين المستقلين.

وتبرز مؤشرات مقلقة أخرى في المشهد، إذ تحول مزاج المستهلكين الأثرياء – المسؤولين عن النسبة الأكبر من الإنفاق الاستهلاكي – نحو التشاؤم خلال الشهرين الماضيين.

الخلاصة هي أنه رغم غياب العلاقة الثابتة بين ثقة المستهلك والنمو الاقتصادي، إلا أن المنطق السليم والمؤشرات المتاحة تؤكد وجود ارتباط بينهما.

صحيح أن استطلاعات المعنويات الضعيفة لا ترقى إلى مستوى يدعو للهلع على مستقبل الاقتصاد، لكن اتجاهها المعاكس كان سيبعث على طمأنينة أكبر بكثير. البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة