
أخبار حياة – يعاني النازحون في مواصي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، أوضاعًا صحيةً صعبة للغاية، بسبب أكوام النفايات المتكدسة كل عدة أمتار.
أم ياسر داوود، التي تقطن إحدى الخيام هناك، هي مريضة ربو، وقد تفاقم وضعها الصحي بسبب روائح النفايات والصرف الصحي، التي تهب مع كل نسمة هواء.
تقول: “هذا المكان صار سببًا في الأمراض. الكلاب الضالة تجتمع في الليل وتنبح بأصوات عالية ترعب الأطفال، كذلك البعوض والذباب لا يغادر خيامنا أبدًا”.
وما يزيد الطين بلة رمي العديد من جثث الحيوانات الميتة في المكبات نفسها، لصعوبة دفنها بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، والقصف الإسرائيلي المستمر في المناطق كافة.
تتابع أم ياسر: “هذا يزيد من الروائح الكريهة وانتشار الأمراض بسبب خروج الديدان منها وانتشار الحشرات في المكان”.
لدغات وتهيجات جلدية
ويخبر محمد أبو دان، من سكان منطقة الساحة، وسط مدينة غزة، كيف تسببت مكبات النفايات العشوائية في إصابة ابنته الرضيعة (4 أشهر) بمشاكل جلدية، نتيجة لدغ البعوض والذباب المتواصل.
يقول: “يمتلئ جسد ابنتي بالبثور الصغيرة، ويتهيج جلدها بسبب الحشرات التي لا تغادر بيتي. حاولت استخدام الأساليب البدائية نتيجة عدم وجود أدوات الرش والإبادة، لكن كل المحاولات فشلت”.
وخلال الكشف الطبي، سأل الطبيب محمد عن طبيعة المكان الذي يسكنه، فأخبره أنه يعيش في طابقٍ أرضي مهدم جزئيًا، على بعد عدة أمتار من مكب نفايات أنشأه المواطنون حديثًا نتيجة عدم قدرة بلدية غزة على نقلها إلى مكباتها الرئيسة الآمنة.
وحسب مدير التخطيط في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “اونروا”، سام روز، فإن “بركانًا من الرواسب ذات اللونين الرمادي والبني” يعيش حولها الناس لأن ليس لديهم خيار. وأضاف: “الناس تعيش حرفيًا وسط النفايات، ولقد أثقل النزوح الجماعي كاهل الجميع”.
وسبق أن أكدت “الأونروا” أن تراكم النفايات في قطاع غزة يعرض صحة الناس وحياتهم للخطر. وأوضحت “الأونروا” في منشور على منصة “إكس” في 28 مارس/ آذار الماضي، أن الكثيرين يُضطرون إلى السكن في خيام وسط أكوام النفايات.
وشددت المؤسسة الأممية على أن أزمة النفايات المتفاقمة تزيد من التحديات البيئية والصحية، وأن كفاح الفلسطينيين للبقاء بظروف إنسانية قاسية أصبح صعبا بشكل متزايد.
وحذر اتحاد بلديات قطاع غزة، من استمرار الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع نتيجة حرب الإبادة، مؤكدًا أن البلديات تواجه عجزًا عن الاستجابة الفعالة بسبب نقص المعدات والإمكانات الأساسية في ظل الدمار الهائل الذي طال البنية التحتية، والقطاعات الخدمية، والبيئية، والصحية.
وطالب الاتحاد في بيان نشره مؤخرًا، بضرورة الاستجابة العاجلة لتوفير الاحتياجات الأساسية للبلديات حتى تتمكن من القيام بدورها في خدمة المواطنين والتخفيف من حجم المعاناة المتفاقمة، “وتوفير الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة للتعامل مع نحو 55 مليون طن من الركام المنتشر في كافة محافظات قطاع غزة”.
بيئة مهددة للحياة
وتحذّر بلدية غزة من كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة تهدد حياة سكان المدينة، بفعل تراكم النفايات وتسرب مياه الصرف الصحي وتحلل جثامين الضحايا.
وقال المتحدث باسم البلدية حسني مهنا، إن المدينة تعاني من تكدس أكثر من 175 ألف طن من النفايات الصلبة في شوارعها، بسبب منع سلطات الاحتلال وصول طواقمها إلى مكب جحر الديك الرئيسي للنفايات، شرق المدينة.
وأضاف مهنا في تصريحات لوكالة الأناضول أن “جهود البلدية لتجاوز الأزمة بالتعاون مع المؤسسات الدولية تواجه عراقيل كبيرة بفعل رفض إسرائيل إدخال آليات جديدة أو السماح للطواقم بالوصول إلى المكب الرئيس”.
وحذر من تفشي الأمراض والأوبئة “بسبب تراكم النفايات في شوارع غزة، وتسرب مياه الصرف الصحي بفعل الدمار الكبير في البينة التحتية، ناهيك عن تحلل جثامين الضحايا تحت الأنقاض”.
وشدد مهنا على أن هذه الأسباب مجتمعة شكلت بيئة مناسبة لانتشار الحشرات والقوارض في المدينة، في ظل شح المواد اللازمة للقضاء عليها.
انعكاس لأزمة أوسع
التحذير نفسه ذهب إليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مبيناً أن مسألة إدارة النفايات الصلبة في غزة أصبحت حاجة ملحة، وتتطلب دعمًا وحلولًا فورية، مشيرًا إلى أن أزمة النفايات انعكاس للأزمة الإنسانية الأوسع في قطاع غزة قبل الحرب.
وكان البرنامج -قبل بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023- وضع الخطوط العريضة لخارطة طريق شاملة معنية بالإدارة المستدامة للنفايات في غزة، مع التركيز على التحول إلى نموذج الاقتصاد الدائري، ولكن منذ اندلاع الحرب، تحولت الأولويات نحو المساعدة الإنسانية العاجلة.
وبحسب البرنامج، فإن عدد مركبات جمع النفايات الصلبة في غزة انخفض من 112 إلى 73 في الفترة بين عامي 2017 و2022، ومعظم هذه المركبات قديمة وعددها غير كاف، حيث تخدم مركبة جمع واحدة 21,000 نسمة، وعامل جمع واحد لكل 3,343 نسمة.
مواد كيماوية سامة
ويقدر الخبير البيئي د. نزار الوحيدي حجم النفايات الصلبة الناتجة عن كل شخص في غزة نصف كيلو غرام يوميًا، ما يعني أن القطاع يتخلص من حوالي 1.2 مليون كيلو غرام من النفايات يوميًا.
وحذر الوحيدي في حديث للجزيرة نت، من انتشار المكبات العشوائية بين خيام ومنازل المواطنين، ما يهدد بانتشار الأمراض الجلدية والتنفسية الصعبة، ويحول تلك المناطق إلى بيئة جاذبة للفئران والجرذان الكبيرة والأفاعي والحشرات الناقلة للأمراض، عدا عن الروائح الكريهة المنبعثة من تخمر النفايات ينتج عنها غازات ضارة وقابلة للاشتعال.
وقال إن “50 مليون متر مكعب يوميا من مياه الصرف الصحي لا تجد طريقا لها لمحطات المعالجة بسبب تدمير الاحتلال البنية التحتية، ما تسبب بحدوث سيول في الشوارع تحولت لمكرهة صحية ومستنقعات ضارة”، كما قطعت إسرائيل، مؤخرا، خط الكهرباء الوحيد المغذي لمحطة معالجة المياه في دير البلح وسط قطاع غزة.
ويرى الخبير البيئي أن الخوف الأكبر يتمثل في أن تلك النفايات باتت خليطاً من نفايات عضوية ومعدنية وأتربة وبقايا ركام البيوت المدمرة، “وهذا يعني أنها قد تحتوي على مواد كيماوية سامة وضارة، لا سيما في حال تسرب عصارة تلك النفايات إلى الخزان الجوفي”.
وشدد الوحيدي على ضرورة الإسراع في دفن النفايات بالطريقة الآمنة، والمعتمدة دوليًا في قطاع غزة، “فمياه الشرب التي تعد عمود الحياة بالنسبة للمواطنين في قطاع غزة، وصار الناس يشربونها الآن بلا معالجة، ستكون بمثابة سم قاتل لهم، إذا حدث ذلك”.