أخبار حياة – تستعد بكين للاضطرابات التي ستنجم عن التعريفات الجمركية المتأرجحة. لكنها ترى قصة أكبر وأكثر وعدًا عن تراجع الهيمنة الأميركية .
لا أحد، وخاصة المستهلكين والعمال، سيفوز في الحرب التجارية الشرسة التي أطلقها دونالد ترامب. هذه، على حد تعبير أحد المحللين ، “لعبة عض أصابع”، واختبار لمن يمكنه أن يتحمل الألم أكثر. ولأن التجارة تقع في القلب من العلاقات الأميركية مع أكبر هدف للتعريفة الجمركية، الصين، فإن من المرجح أن تتدهور بقية العلاقات الثنائية. وهذا أيضًا مثير للقلق.
ومع ذلك، ربما ترى الصين، على الرغم من المصاعب الاقتصادية في السنوات الأخيرة، فرصة أطول أجلاً في الأزمة الحالية. كانت استجابة بكين لإعلانات التعريفة الجمركية الأميركية الأولية محسوبة. وهي تتعهد الآن بـ”القتال حتى النهاية”، وفرضت تعريفة جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على السلع الأميركية -ليصل الإجمالي إلى 84 في المائة – ردًا على التعريفات الجمركية التي يقول ترامب الآن إنها ستصل إلى 125 في المائة.
ولا يتوقعن أحد أن تكون الصين هي التي تتراجع أولاً . من المرجح أن تُفهم التنازلات على أنها علامة على الضعف، مما يشجع الولايات المتحدة على تصعيد الضغط. كما أن شي جين بينغ هو أيضًا رجل قوي قام بتعزيز النزعة القومية مع تباطؤ النمو الاقتصادي. وسيكون التراجع بالنسبة للصين مهينًا، خاصة عندما يتحدث نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، بازدراء عن ” الفلاحين الصينيين “.
تسمح بكين بالفعل لليوان بأن يضعُف ، على الرغم من أنه يُعتقد بأن تخفيضًا كبيرًا في قيمة العملة غير مرجح. وكانت تستعد لهذه اللحظة. وقد بدأت نهاية طفرتها الديموغرافية، ورؤية السيد شي لأمته، وتأثير الوباء، وولاية السيد ترامب الأولى، وتحول الولايات المتحدة من كلا الحزبين ضد الصين (وهو الأمر الذي تستحق فيه بكين نفسها الكثير من اللوم) في إعادة تشكيل الاقتصاد. وعملت الصين على تنويع وارداتها الزراعية ووجدت أسواقًا جديدة لسلعها على الرغم من أن الصادرات إلى الولايات المتحدة ما تزال تمثل أقل بقليل من 3 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي . وفي الشهر الماضي، أعلنت عن خطط “لتعزيز الاستهلاك المحلي بقوة”، على الرغم من أن الإجراءات السابقة بشأن هذا الطموح المعتنق منذ وقت طويل لم تتطابق مع الخطاب.
يسلط إعلان ترامب المفاجئ يوم الأربعاء عن تعليقه التعريفات العقابية على الدول الأخرى لمدة 90 يومًا الضوء على نية أساسية واضحة لجعل هذه الدول تنأى بنفسها عن الصين ومنع استخدامها كقناة لبضائعها. لكنه إذا مضى قدمًا، فإن أسعار الفائدة المرتفعة تخاطر بدفع هذه الدول نحو بكين بدلاً من ذلك. وقد تعكس سياسات السيد ترامب المتقلبة أيضًا تزايد القلق بشأن تأثير هذه الرسوم الجمركية، خاصة في أوساط مؤيديه أنفسهم. وتثق الصين في أن ترامب سيواجه ضغوطًا متزايدة لإعادة النظر في سياساته، من داعميه المليارديرات، والعمال المُسنّين الذين يرون صناديق تقاعدهم تنهار، والمزارعين، والموظفين القلقين على وظائفهم، والمستهلكين الذين يواجهون احتمال ارتفاع أسعار هواتف الآيفون وسلع البقالة. ولن يكون إبرام اتفاق ثنائي مستحيلًا.
لا تحب بكين ما ينتظر في الأمام. لكنّ لديها ثقة أكبر في مسارها على المدى الطويل. إنها تنظر وراءً إلى الأزمة المالية في العام 2008، عندما “أنقذَت العالم” بحزمتها الضخمة للتحفيز، وتتطلع إلى الأمام بثقة جديدة بالنفس بعد “لحظة سبوتنيك” التي شهدتها في مجال الذكاء الاصطناعي عندما أطلقت في كانون الثاني (يناير) منصة “ديب-سيك” DeepSeek الخاصة بها.
قبل وفوق كل شيء، تعتقد بكين أنه عندما تمر هذه العاصفة، فإن قلة من الناس هم الذين سينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها ضامنًا اقتصاديًا أو أمنيًا يمكن الاعتماد عليه، وسوف تبدو الصين شريكًا أكثر قابلية للتنبؤ به، إن لم يكن أكثر جاذبية. في مؤتمر ميونخ الأمني الذي عُقد في شباط (فبراير) -حيث تصدَّر هجوم فانس الساخر على الحلفاء الأوروبيين عناوين الصحف- تعهد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بأن تكون الصين “قوة بناءة ثابتة” و”عامل يقين في هذا النظام متعدد الأقطاب”. وقد تشعر بعض البلدان بأنها مضطرة للتعايش مع القيود التجارية والاستثمارية التي تفرضها بكين، واستخدامها الإكراه الاقتصادي لأغراض سياسية. وربما ينجرف آخرون ببساطة خارجين من مدار أميركا.
هذه لحظة تحويلية في النظام العالمي. وتتوقع الصين أن تعاني. لكنها لن تكون غير سعيدة تمامًا بينما تراقب الولايات المتحدة وهي تمضي حثيثًا نحو الانحدار.