Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار ساخنةصورة وخبر

طفولة محطمة.. حرب الإبادة تسرق أطراف وأحلام أطفال غزة

أخبار حياة – داخل إحدى غرف الأطفال بالمستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، يجلس الطفل أحمد الغلبان بعينين غائرتين وجسد نحيل أنهكه الألم الجسدي والنفسي، إذ لا يزال يعيش كابوسًا قاسيًا، حيث يروي صوته الخافت مأساة تفوق ما قد تحتمله الكلمات.

ففي حرب إبادة لا تعرف الرحمة، فقد أحمد ساقيه، لكن الجرح الأعمق كان في روحه، بعد أن فجع بفقدان شقيقه التوأم، محمد، الذي كان معه في تلك اللحظات العصيبة. ففي شهر مارس/ آذار الماضي، تعرض حي الشيماء في بيت لاهيا لسلسلة من القصف الجوي الإسرائيلي استهدفت مناطق سكنية، من بينها منزل عائلة الغلبان.

كان أحمد ومحمد في طريقهما للفرار إلى مكان أكثر أمانًا بعد أن أُعلن عن منطقتهم كمنطقة حمراء من قبل قوات الاحتلال، ما أجبرهم على إخلاء المنزل قسرياً تحت نيران الصواريخ الإسرائيلية.

يروي أحمد قائلاً: “في تلك اللحظة، كنت ممسكًا بيد أخي الذي لم يفارقني يومًا، كنا على عربة يجرها حصان، نحمل ما استطعنا حمله من أمتعة، ونتجه بعيدًا عن القصف.”

ويتابع بصوت متهدج: “لم أشعر بشيء بعدها، فقد غبت عن الوعي، وعندما أفقت، وجدت نفسي في المستشفى، بساقين مبتورتين، وأدركت أنني فقدت أخي وخالي أيضًا… عرفت حينها أن حياتي لن تعود كما كانت.”

ويضيف أحمد إنه لا يعلم متى سيحصل على ساق صناعية أو فرصة علاج في الخارج، وأنهم طلبوا منه الانتظار، ولا يدري إن كان ذلك سيحدث في وقت قريب.

ولم تخلّف الغارة دمارًا ماديًا فقط، بل خلفت فقدانًا موجعًا لأطراف وأرواح، فقصة أحمد ليست استثناءً، بل نموذجًا من ألف طفل جريح بُترت أطرافهم في حرب إبادة تُزهق الأرواح وتترك كل يوم جراحًا لا تندمل.

تحدي الأطراف الصناعية

وتعرض آلاف الفلسطينيين لإصابات ستغير حياتهم لما بقي من أعمارهم. ولكن في ظل حرب إبادة جعلت النظام الطبي يكاد يكون غير قادر على العمل، تتفاوت التقديرات حول عدد الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافا، فيما تشير التقديرات المنظمات الدولية بأن العدد يتراوح بين 5000 و6000 آلاف شخص، في حين تشير إحصائيات وزارة الصحة إلى رقم أعلى بكثير.

وخلال الشهر الماضي قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “في جميع أنحاء غزة، تشير التقديرات إلى 4500 حالة بتر جديدة تحتاج إلى أطراف صناعية، بالإضافة إلى 2000 حالة سابقة تحتاج إلى متابعة ورعاية”.

ويقول أحمد موسى مدير برنامج إعادة التأهيل البدني في غزة التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر إنه تم تسجيل ما لا يقل عن 3 آلاف شخص في برنامجهم، منهم 1800 شخص من مبتوري الأطراف.

ويعاني آلاف الفلسطينيين الآخرين من إصابات في العمود الفقري أو فقدوا بصرهم أو سمعهم، وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأدى العدد الكبير من الإصابات إلى إبطاء وتعقيد الجهود المبذولة لتوفير العلاج. وقال مسؤولو الصليب الأحمر إن إدخال الأطراف الصناعية إلى قطاع غزة يمثل تحديا.

ويضيف موسى: “نواجه العديد من التحديات من خلال نقص هذه المواد ولكن نحن نعمل على خدمة هؤلاء (هذه) الشريحة بقدر المستطاع لإعادة دمجهم في المجتمع”.

منظومة طبية منهارة

ومطلع مارس/ آذار الماضي، انقلبت سلطات الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين الاحتلال وحركة حماس، ورفضت الالتزام بدخول مفاوضات المرحلة الثانية، وفرضت حصاراً شاملاً على غزة بإغلاق جميع المعابر ووقف دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد شهرين من إعلان الاتفاق في 19 يناير/ كانون الثاني.

وفي 18 مارس استأنف جيش الاحتلال حرب الإبادة في مختلف مناطق قطاع غزة، الذي تقول سلطات الاحتلال إنها تريد إعادة احتلال 40% من مساحته وضمها للمناطق الأمنية العازلة.

وأدى انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة جراء الإبادة إلى ازدياد أعداد المبتورين الذين يضطرون للانتظار طويلاً لإجراء العمليات وأمام هذا الانتظار يبدأ الجرح بالالتهاب فيما يسمى بالغرغرينا وبالتالي لا يكون أمام الأطباء من خيار سوى البتر.

ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة في غزة، فإن أعداد حالات بتر الأطراف ارتفعت إلى أكثر من 10 آلاف في مختلف محافظات القطاع منذ بدء الإبادة الجماعية، من بينهم أكثر من 4000 طفل.

كما كشفت أحدث إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، أن عشرة أطفال على الأقل يفقدون أحد أطرافهم يوميًا في غزة جراء العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

غياب الإمكانيات

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في كانون الأول 2024 من جائحة إعاقات في غزة، مبينة أن القطاع أصبح موطنا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث.

وذكرت أن 1 من كل 4 أشخاص أصيبوا في حرب غزة يحتاجون إلى خدمات إعادة تأهيل بما فيها الرعاية بعد بتر الأطراف وإصابات الحبل الشوكي، وفق منظمة الصحة العالمية.

ويشير أطباء وخبراء إلى أن الطبيعة الصعبة والقاسية للإصابات، تجعل إنقاذ الأنسجة والأوعية الدموية أمرا صعبا أو شبه مستحيل، وتتفاقم خطورة الإصابات بسبب نقص العلاج الطبي المتاح مثل المضادات الحيوية، ما يعني أن العدوى قد تصبح مميتة، في ظل عدم وجود فرق جراحية، وبالتالي غياب إمكانية إعادة بناء الأطراف بشكل صحيح.

ويؤكد رئيس برنامج الإعاقة بجمعية العون الطبي أن مساعدات الأطفال مبتوري الأطراف خلال الهدنة غطت 20% فقط من الاحتياجات. وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تمنع دخول مواد تصنيع الأطراف الصناعية بحجة أنها قد تستخدم لأغراض عسكرية.

وتقول جولييت توما من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن “كل الإمدادات الأساسية على وشك النفاد.. منذ أن فرضت السلطات الإسرائيلية الحصار على قطاع غزة”.

الأثر النفسي والسلوكي

إضافة إلى التداعيات الصحية، تحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من التداعيات النفسية للإصابات المغيرة للحياة على سلوك الأطفال وقدرتهم على التكيف مع الواقع الجديد، ويجعلهم يتقوقعون داخل غرفهم أو خيام نزوحهم.

ويقول جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية لا يبدأون عادة بمعالجة صدماتهم إلا عندما يباشرون بالعودة إلى حياتهم الطبيعية. ويضي: “كان علماء النفس يقولون إن كابوسنا الحقيقي هو أن يعودوا إلى ديارهم ثم تبدأ (الحرب) من جديد”. وتابع: “هذه هي المرحلة التي وصلنا إليها الآن”.

ويحذر من أن غزة هي “المثال الوحيد في التاريخ الحديث على احتياج جميع الأطفال إلى دعم الصحة النفسية”. وأوضح “هذه ليست مبالغة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة